للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الأمين في سنة ستّ وثمانين ومائة، وولّاه خراسان وما يتّصل بها إلى همذان وإلى آخر المشرق، ولقّبه المأمون. وسلّمه إلى جعفر بن يحيى البرمكيّ. وكان قد ولّى الأمين العراق والشام إلى آخر الغرب. ثمّ بايع لابنه القاسم بولاية العهد بعد المأمون ولقّبه المؤتمن وضمّ إليه الجزيرة والثغور والعواصم، وجعله في حجر عبد الملك بن صالح، وجعل خلعه وإثباته إلى المأمون.

وكان القاسم ماجنا، أطلق أسدين على النساء والرجال في حمّامين كانا له على شارع معمور، فخرج النساء والرجال عراة هرابا، وقد قعد هو في علية له ينظر من ذلك ويضحك. فلذلك خلعه المأمون من ولاية العهد.

وكان الرشيد يقول للمأمون: أحبّ المحاسن كلّها لك، حتّى لو أمكنني أن أجعل وجه أبي عيسى لك لفعلت.

وقال الرشيد لأبي عيسى وهو صغير: ليت جمالك لعبد الله! - يعني المأمون.

فقال له: على أنّ حظّه منك لي!

فعجب من جوابه، على صباه، وضمّه إليه وقبّله. وذلك أنّ أبا عيسى محمد بن الرشيد كان أجمل أهل زمانه [١١١ ب].

[[قسمة الخلافة بين الأمين والمأمون]]

وفي سنة ستّ وثمانين ومائة قدم الرشيد إلى مكّة ومعه محمد وعبد الله ابناه، ومعه وزراؤه وقرابته. وكان مسيره من الرقّة لسبع ليال بقين من شهر رمضان. فعدل إلى المدينة من الربذة، فأعطى أهل المدينة ثلاثة أعطية، بدأ بنفسه فوزن له عطاؤه ثمّ فعل ذلك بالأمين محمد والمأمون عبد الله [ف] أعطاهما. ثم بدأ ببني هاشم فأعطوا.

ثمّ أقبل يريد مكّة حتّى دخلها. فلمّا كان يوم سابع الثمان صعد المنبر فخطب خطبة الحجّ، وأخبر الناس بمناسكهم، ثم نزل عن المنبر، فأمر بالكعبة ففتحت، فدخل وحده ليس معه أحد غيره، وقام مسرور الخادم على باب الكعبة فأجاف (١*) عليه أحد المصراعين، فمكث في الكعبة مليّا. ثمّ بعث إلى الأمين محمد وليّ العهد فكلّمه طويلا في جوف الكعبة. ثم دعا بالمأمون عبد الله ففعل به مثل ذلك، وكلامه لكلّ واحد منهما وحده لا يسمع أحدهما ما يكلّم به صاحبه. ثم أرسل إلى سليمان ابن أبي جعفر المنصور وإلى الفضل بن الربيع، وإلى عيسى بن جعفر، وجعفر ابن أبي جعفر، وجعفر بن موسى الهادي في جماعة، فدخلوا عليه الكعبة. ثم أرسل إلى محمد بن خالد، وإلى الحرث وأبان وعبيد بني يقطين ونظرائهم، ودعا يحيى بن خالد بن برمك، فدخل. ودعا بجعفر بن يحيى. ثمّ أمر أمير المؤمنين وليّي العهد أن يكتبا له كتابا كلّ واحد منهما على نفسه فيما أخذ على كلّ واحد منهما لصاحبه من التوكيد والوثيقة، فكتبا الكتاب بأيديهما.

فبينا هم في ذلك إذ حضرت صلاة الظهر من قبل فراغهم فأقيمت الصلاة ونزل أمير المؤمنين فصلّى بالناس الظهر. ثمّ عاد إلى الكعبة فكان فيها إلى أن فرغوا من الكتابين. وأحضر جماعة من الناس غير من ذكر، منهم محمد بن عبد الرحمن المخزوميّ، وأسد بن عمرو قاضي الشرقيّة، منأصحاب أبي حنيفة، وقوما من بني عبد الدار بن قصيّ من حجبة البيت. ثمّ حضرت صلاة العصر عند فراغهم من الكتاب فأقيمت الصلاة فنزل أمير المؤمنين فصلّى بالناس صلاة العصر. ثمّ طافوا سبعا ثمّ دخلوا منزله في دار العجلة ومعه من حضر


(١*) أجاف الباب: ردّه.

<<  <  ج: ص:  >  >>