وأنشأت تقول [الوافر]:
سأدعو دعوة المضطرّ ربّا ... يثيب على الدعاء ويستجيب
لعلّ الله أن يكفيك حربا ... ويجمعنا كما تهوى القلوب
فضمّها إلى صدره وأنشأ يقول متمثّلا [الطويل]:
فيا حسنها إذ يغسل الدمع كحلها ... وإذ هي تذري الدمع منها الأنامل
صبيحة قالت في العتاب: قتلتني ... وقتلي بما قالت هناك تحاول
ثم قال لخادمه: يا مسرور احتفظ بها وأكرم محلّها وأصلح لها كلّ ما تحتاج إليه من المقاصير والخدم والجواري إلى وقت رجوعي. فلولا ما قال الأخطل حين يقول [البسيط]:
قوم إذا حاربوا شدّوا مآزرهم ... دون النساء ولو باتت باطهار ...
ثم خرج. فلم يزل يتعهّدها ويصلح ما أمر به حتى اعتلّت علّة شديدة أشفق عليها منها. فلمّا ورد نعي المأمون وبلغها ذلك تنفّست الصعداء، وتوفّيت بعد ما أنشدت [الكامل]:
إنّ الزمان سقانا من مرارته ... بعد الحلاوة أنفاسا وأروانا
أبدى لنا تارة منه فأضحكنا ... ثمّ انثنى تارة أخرى فأبكانا
إنّا إلى الله فيما لا يزال لنا ... من القضاء ومن تلوين دنيانا
دنيا تراها ترينا من تصرّفها ... ما لا يدوم مصافاة وأحزانا
ونحن فيها كأنّا لا يزايلنا ... للعيش أحياؤنا يبكون موتانا
*** وقال أبو سعيد المخزومي [الخفيف]:
ما رأيت النجوم أغنت عن المأ ... مون في عزّ ملكه المأسوس
خلّفوه بعرصتي طرسوس ... مثلما خلّفوا أباه بطوس
*** وقال النديم: المأمون أعلم الفقهاء بالفقه والكلام. وكان دون محمد ابن زبيدة أخيه في الفصاحة.
[[كتاب من تأليف المأمون]]
وله من الكتب: كتاب جواب ملك البرغر فيما سأل عنه من أمور الإسلام والتوحيد، يحتوي على أكثر من مائة ورقة، لم يستعن فيه بأحد، ولا أورد فيه آية من كتاب الله، ولا كلمة من حكيم تقدّمه.
والمأمون أوّل من اتّخذ من الخلفاء الأتراك [١٣٩ أ] للخدمة. فكان يشتري الغلام من الأتراك بمائة ألف ومائتي ألف.
وكان يحبّ معرفة أخبار الناس، فاتّخذ برسم ذلك ألف عجوز وستّمائة عجوز يتعرّفن له أخبار الناس ببغداد، فلم يكن يخفى عليه من أمور الناس الظاهرة والباطنة كبير شيء، وكان لا ينام كلّ ليلة حتّى يسمع أخبار من تأتيه منهنّ.
[[أولاد المأمون]]
وكان للمأمون من الولد: محمد الأكبر، والعبّاس- قتله عمّه المعتصم- وأحمد، وهارون الأكبر، وعيسى، وهارون الأصغر، وإبراهيم، وإسماعيل وإسحاق، ويعقوب، وعليّ، والحسن، والحسين، لأمّهات أولاد.
ومحمد الأصغر، وعبد الله، أمّهما أمّ عيسى بنت الهادي موسى.