للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

المهديّ في مجلس [١٠٥ ب] أخيه ويتكلّم فيه، وأخوه ينهاه ولا يرضى فعله فلا يزيده ذلك إلّا لجاجا. ثمّ إنّه أظهر أخاه على ما في نفسه وقال له: ملكت أمرا ثمّ جئت بمن أزالك عنه، وكان الواجب عليه أن لا يسقط حقّك.

ولم يزل حتّى أثّر في قلب أخيه. وصار أبو العبّاس مع ذلك يشير إلى المقدّمين بشيء ممّا في نفسه فإذا رأى من أحد منهم قبولا كشف له ما في نفسه وقال: «ما جازاكم على ما فعلتموه، بل أخذ الأموال ولم يقسمها فيكم»، فيبلغ ذلك المهديّ ويتغافل، وأبو عبد الله يداري.

ثمّ صار أبو العبّاس يقول: «إنّ هذا ليس بالذي كنّا نعتقد طاعته وندعو إليه لأنّ المهديّ يأتي بالآيات الباهرة»، فأخذ قوله بقلوب كثير من الناس حتّى إنّ شخصا منهم يقال له «شيخ المشايخ» (١) واجه المهديّ بذلك وقال له: «إن كنت المهديّ فأظهر لنا آية، فقد شككنا فيك» فقتله المهديّ.

وخاف أبو عبد الله وعلم أنّ المهديّ تغيّر عليه، فاتّفق هو وأخوه ومن معهما على الاجتماع عند أبي زاكي، وعزموا على قتل المهدي، واجتمع معهم قبائل كتامة إلّا قلي [لا] منهم. فبلغ المهديّ ذلك كلّه، فلاطف الأمر وفرّق الأكابر وأوقف رجالا قتلوا أبا عبد الله وأخاه أبا العبّاس في يوم الاثنين النصف من جمادى الآخرة سنة ثمان وتسعين ومائتين (٢). وخرج فصلّى عليهما

وقال: رحمك الله يا أبا عبد الله وجزاك خيرا على جميل سعيك، ولا رحمك الله يا أبا العباس، فإنّك صرفته عن الحقّ.

١٨٢٩ - ابن اليتيم البلنسيّ [٥٤٤ - ٦٢١] (٣)

محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن أحمد، أبو عبد الله، ابن أبي العبّاس، الأنصاريّ، الأندلسيّ- ويعرف بابن البلنسيّ وبابن اليتيم، من أهل المريّة، وأصله من بلنسية.

روى عن أبيه وببلنسية عن أبي الحسن بن هذيل، وأبي عبد الله بن سعادة وغيره.

وحجّ ودخل مصر والشام والعراق وخراسان، ولازم أبا الطاهر السلفيّ وأخذ عنه كثيرا، وعن أبي محمد العثمانيّ، وأبي الطاهر ابن عوف.

وسمع بالقاهرة من أبي عمرو عثمان بن فرح الكندي. وببغداد من أبي الفرج ابن الجوزيّ، وشهدة بنت الإبريّ. وبدمشق من أبي القاسم بن عساكر. ولقي بالمغرب والمشرق خلقا من الأئمّة.

وكان أديبا متواضعا فاضلا. وأسنّ حتى انفرد بما كان عنده من المغاربة، إلّا أنّه كان لا يتقن إسنادا، وقد حدّث عنه جلّة ووثّقوه وأثنوا على دينه وفضله. ثمّ عاد بعد رحلته إلى بلده، وقدّم للقضاء. ثمّ ولي الخطابة بالمرية.

قال ابن الأبّار: وكان راوية مكثرا رحّالا في طلب العلم عالي الإسناد. ونسبه بعض شيوخنا إلى الاضطراب. وعلى ذلك انتابه الناس ورحلوا إليه للسماع منه.


- والمهديّ. وانظر افتتاح الدعوة ٢٦١/ ٣١٦، وعيون الأخبار ١٨٠ - ١٨٨.
(١) شيخ المشايخ: هارون بن يونس المسالتيّ، أبو موسى.
(٢) انفرد المقفّى، كما أشرنا، بذكر التعارف بين أبي عبد الله والمهديّ بسلميّة. ولمّا كانت ترجمة أبي عبد الله مبتورة من أوّلها، فلعلّه قال نفس القول هناك. ولئن اتّفقت المصادر الأخرى على حصول اللقاء بين أبي العبّاس والمهدي بالمشرق، فهي لم تشر إلى لقاء بين أبي عبد الله-
(٣) الوافي ٢/ ١١٦ (٤٥٤)، التكملة للمنذريّ ٣/ ١٣٤ (٢٠٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>