نمير السكوني. فسار بالناس حتى قدم [١٤٥ أ] مكّة لأربع بقين من المحرّم، وقد بايع أهلها وأهل الحجاز ابن الزبير واجتمعوا عليه. ولحق به من انهزم من أهل المدينة، وأتاه المستبصر والخارجيّ والمرجى والشيعيّ وأهل الأهواء جميعا لينصروا الحرم. وقدم عليه من الخوارج نجدة بن عامر الحنفيّ وبنو الماحوز عبد الله وعبيد الله والزبير.
وأتاه أبو راشد نافع ابن الأزرق الحنظليّ الحنفيّ، وحسّان بن بحدج الذهليّ، وكرّاز بن ربيعة، وإياس بن مضارب العجليّ، والقاسم بن ثرملة الغرني، وأبو فديك عبد الله بن ثور من بني قيس بن ثعلبة، وعيسى الخطّي، وسلمة الهجيميّ، وبرج بن عنان الراسبيّ، وسعيد بن مسروح الشيبانيّ، وهؤلاء رءوس الخوارج. فسرّ بهم وأخبرهم أنّه على مثل رأيهم من غير تفتيش.
ثمّ تكلّم في المسجد الحرام وأعلم الناس بأنّ يزيد بن معاوية قد بعث جيشا ليستحلّ حرمة هذا البيت ومن عاذ به. وقال: «إنّما نحن وأنتم عائذون به». ثمّ ألصق بطنه بين الركن والباب وقال: «هذا مقام العائذ بك من الظلم! » فأجابه الناس إلى نصرته والقيام معه والذبّ عن حرم الله وأمّته، وشمّروا وتهيّئوا لعدوّهم في السلاح والخيل. وجعل عبد الله شعاره: «لا حكم إلّا لله! »، و [هو] لا يذكر الخلافة، وإنّما يسمّى العائذ.
ثمّ خرج بمن معه إلى لقاء الحصين. فبارز المنذر بن الزبير رجلا من أهل الشام وجعل يرتجز:
يأبى الحواريّون إلّا وردا ... من يقتل اليوم يزوّد حمدا
ويقول أيضا:
لم يبق إلّا حسبي وديني ... وصارم تلتذّه يميني
فما زال يقاتل حتى ضرب كلّ منهما صاحبه ضربة مات منها. ثمّ حمل أهل الشام على [١٤٥ ب] أصحاب ابن الزبير حملة انكشفوا منها، وعثرت بغلة ابن الزبير فقال: تعسا! ثمّ نزل وصاح بأصحابه فأقبل منهم المسوّر بن مخرمة (١*) ومصعب بن عبد الرحمن بن عوف في طائفة، فقاتلوا حتى قتلوا جميعا، وابن الزبير صابر لهم إلى الليل، فانصرفوا عنه. وهذا هو الحصر الأوّل.
وأقاموا على ابن الزبير يقاتلونه بقيّة المحرّم وصفرا كلّه، حتى إذا مضت ثلاثة أيّام من ربيع الأوّل، قذفوا الكعبة بالمجانيق وحرقوها بالنار يوم السبت لثلاث خلون من ربيع الأوّل فارتجزوا:
خطّارة مثل الفنيق المزبد ... نرمي بها أعواد هذا المسجد
[[ضرب الكعبة بالمنجنيق]]
وكان سبب حريق الكعبة أنّ ابن الزبير ضرب فسطاطه في المسجد من أجل أنّه نزل فيه ومعه أصحابه في خيام. وأقام النساء يسقين الجرحى ويداوينهم ويطعمن الجائع حتى كان الحصين [بن النمير] يقول: ما يزال يخرج علينا من ذلك الفسطاط أسد كأنّما يخرج من عرينه، فمن يكفينيه؟ فقال رجل من أهل الشام: «أنا». فلمّا جنّ الليل وضع شمعة في طرف رمحه ثمّ ضرب فرسه وطعن الفسطاط فالتهب نارا، والكعبة يومئذ مؤزرة في الطنافس، وعلى أعلاها الحبرة فأطارت
(١*) أصاب المسوّر بن مخرمة المنجنيق وهو يصلّي في الحجر فمكث خمسة أيّام ثمّ مات في ربيع الأوّل سنة أربع وستّين (حاشية).