للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال: نعم يا أمير المؤمنين، على رفع الحشمة وترك الهيبة وقبول النصح وإلقاء رداء الكبر عن منكبك.

قال: لك ذلك.

[[موعظته للرشيد]]

فجثا الشافعيّ على ركبتيه ثمّ نادى: يا ذا الرحل، إنّه من أطال عنان الأمن في الغرّة طوى عذار (١) الحذر في المهلة، ومن لم يعدل على طرق النجاة كان بجانب قلّة الاكتراث بالمرجع إلى الله مقيما. ومن أحسن الظنّ كان في أمنه المحذور في مثل نسج العنكبوت لا تأمن عليها نفسها ولا يحجزها عن شفقها إلّا ولو جرّعها سمّ مخالفها لبادرت مطايا خوف المراجعة بالنزول إلى دار المقام. ولو فعلت ذلك يا رجل اهتدت إليك يد الندامة، ولابتدرت الحسرات غدا في القصر.

لكنّك أوتيت من خلد لا يؤدّي لك فهمك. ومن أذن بمج الكلام من سمعك، فمن ثمّ أعقبك التواني والاغترار بنفسك. ألا ولو كان لك أمير من عقلك ينتقد لك ما يرتقط (٢) من عيبك لشغلك ذلك عن النظر في غيب غيرك. لكن ضرب الهوى عليك رواقا [ ... ] فتركك إذا أخرجت يد موعظة لم تكد تراها. ومن لم يجعل الله نورا فما له من نور.

(قال): فبكى الرشيد بكاء شديدا حتّى بلّ منديلا [١٥١ ب] كان بين يديه. فقال له طائفة ممّن يقوم على رأسه: اسكت، لقد أبكيت أمير المؤمنين.

فالتفت إليهم وقال: يا عبيد الرجعة، والذين باعوا أنفسهم من محبوب الدنيا، أما رأيتم ما

استدرج به من كان مثلكم من الأمم بالآمال؟ ألم تروا كيف فضح مستورهم وأمطر بواكر الهوان عليهم بتبديل سرورهم، فأصبحوا بعد خفض عيشهم ولين رفاهيتهم في روح بين خضائل النعم ومدارج المثلات؟

فقال له الرشيد: قد سللت علينا لسانك، وهو أمضى سيفيك.

قال: هو لك إن قبلت، ولا عليك.

قال: فهل من حاجة خاصّة بعد العامّة؟

فقال: بعد بذل مكين النصيحة وتجريد الموعظة، تأمرني أن أسوّد وجه موعظتي بالمسألة!

قال: ثمّ ماذا؟

قال: النظر في أمور الرعيّة، والقسمة بينهم بالسويّة.

قال: ومن يطيق ذلك؟

قال: من تسمّى باسمك ونسب إلى موضعك.

قال: ثمّ ماذا؟

قال: الإحسان إلى حرم الله، وسكّان جيران قبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. أما والله لو أردت عمارة قبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم للزمك في ذلك مؤنة. فاعمر قبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بصلة البرّ لأولاده وأولاد أصحابه.

[مناظرة أخرى بينه وبين الشيبانيّ أمام الرشيد]

فأمر الرشيد بمال لأبناء المهاجرين والأنصار والعلويّة. ثمّ التفت إلى محمد بن الحسن فقال:

ناظره بين يديّ حتّى أكون فاصلا بينكما، فإن اختلفتما في فرع رجعتما إلى أصل.

فالتفت محمد بن الحسن وقال: يا شافعيّ، ما تقول في رجل تزوّج بامرأة ودخل بها، وتزوّج بالثانية ولم يدخل بها، وتزوّج بالثالثة ودخل بها،


(١) في المخطوط: عذر. والإصلاح من البيهقيّ ١/ ١٣٤.
(٢) كلمة عسيرة الفهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>