والذي عاملني الأمير به من محاولة صرفي مرّة وإسقاط رسمي، وما يأتينيه ويسومنيه، ناقض لشرطه مفسد لعهده. وقد التمس أوليائي وأكثروا الطلب في إسقاط اسمه وإزالة رسمه، فآثرت الإبقاء وإن لم يؤثره، واستعملت الأناة إذ لم تستعمل معي، ورأيت الاحتمال والكظم أشبه بذوي المعرفة والفهم، وصبّرت نفسي على أحرّ من الجمر، وأمرّ من الصبر، وعلى ما لا تتّسع له الصدور. والأمير، أيّده الله، أولى من أعانني على ما أؤثره من لزوم عهده، وأتوخّاه من تأكيد عقده، بحسن العشرة والإنصاف، وكفّ الأذى والمضرّة، وأن لا يضطرّني إلى ما يعلم الله عزّ وجلّ كرهي له، [و] إلى أن أجعل ما أعددته لحياطة الدولة من الجيوش المتكاثفة، والعساكر المتضاعفة التي قد ضرست رجالها من الحروب، وجرت عليهم محن الخطوب، مصروفا إلى نقضها. فعندنا في حيّزنا من ولد رسول الله صلّى الله عليه وسلم من يرى أنّه أحقّ بهذا الأمر وأولى من الأمير. ولو أمنوني على أنفسهم، فضلا عن أن يرجعوا مني إلى ميل [لهم] أو قيام بنصرتهم، لاشتدّت شوكتهم ولصعب على السلطان معاركتهم. والأمير يعلم أنّ بإزائه منهم واحد [ا] قد كبر عليه، وفضّ كلّ جيش أنهضه إليه، على أنّه لا ناصر له إلّا لفيف البصرة وأوباش عامّتها. فكيف بمن يجد ركنا منيعا وناصرا مطيعا؟
وما مثل الأمير في أصالة رأيه يصرف مائة ألف عنان عدّة له فيجعلها عدّة عليه، بغير ما سبب يوجب ذلك! .
فإن يكن من الأمير إعتاب أو رجوع إلى ما هو أشبه به وأولى، وإلّا رجوت من الله عزّ وجلّ كفاية أمره، وحسم مادّة شرّه وإجراءنا في الحياطة على أجمل عادته عندنا، والسلام.
[[تهديده باستقلال مصر عن الخلافة]]
فلمّا وقف الموفّق على هذا الكتاب، أقلقه قلقا شديدا وألزم موسى بن بغا بصرف أحمد بن طولون وتقليدها ماجور. فلم يرض ماجور.
فخرج موسى يريد أن يدوس عمل المفوّض ليحمل منه الأموال ويتسلّم مصر من أحمد بن طولون، فمات بالرقّة، فكتب أحمد بن طولون إلى الموفّق: قد عجزت عن رضا الأمير أيّده الله، وكلّما تقرّب [ت] إليه بعدت نيّته. ولا أعرف لذلك سببا إلّا نصيحتي وخالص طويّتي وكفايتي ونصرتي لأمير المؤمنين. وبحضرتي من ولد رسول الله صلّى الله عليه وسلم من يرى نفسه لهذا الأمر أهلا وبه أحقّ. وقد جمع مع هذا السّتر والسماحة والولادة من رسول الله، والعلم والشجاعة والطهارة. وقد حدّثته نفسه بالنهوض لولا ما يتّقيه من جهتي، وكفّي له. والأمير يعلم أنّ دعيّا قام بالبصرة في أوباش، وليس وراءه من يعينه مع قرب داره، قد أتعبه هذه السنين، وأنفق عليه بيوت الأموال، وأفنى الرجال، وهو على حاله وأفعاله إلى يومنا هذا. فكيف يعمل إن قام في ناحيتي من يدلّ بصحّة نسبه، وحسن سيرته، وكثرة علمه، ووراءه وجوه الناس، مع بعد داره، وأنا من ورائه أعينه بالرجال والأموال، وأسدّده بالرأي وقوّة الحال؟
فإن كفّ الأمير عنّي أذاه، وإلّا جعلت بلدي بلد خلافة! وإنّما يوقفني عن ذلك رعاية حقّ أمير المؤمنين وحسن عهده.
فغاض هذا الموفّق وقال: من يعمل لي في إشعال قلب ابن طولون؟
فسرقت نعله من أحد بيوت خلواته التي لا يدخلها إلّا حظاياه وثقاته. فلمّا وصلت النعل إلى الموفّق بعثها إلى ابن طولون وقال [٩٢ أ] له الرسول الذي أحضرها: يقول لك الموفّق: من