للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فجاءوا منّ كلّ فجّ عميق ومكان سحيق. فلمّا كان ليلة الأربعاء تركوا خيامهم وأموالهم وأثقالهم، وقصدوا دمياط هاربين. وما زال السيف يعمل في أدبارهم عامّة الليل، وقد حلّ بهم الخزي والويل.

فلمّا أصبحنا يوم الأربعاء قتلنا منهم ثلاثين ألفا، غير من ألقى نفسه في اللجج. وأمّا الأسرى فحدّث عن البحر ولا حرج. والتجأ الفرنسيس (١) إلىالمنية وطلب الأمان فأمّنّاه وأخذناه وأكرمناه. وتسلّمنا دمياط بعون الله وقوّته وجلاله وعظمته».

ثمّ ذكر كلاما طويلا. وبعث مع الكتاب غفارة (٢) الملك ريدافرنسيس، فلبسها ابن يغمور، وكانت من أشكرلاط أحمر بفروسنجاب. فقال نجم الدين [محمد] بن إسرائيل في ذلك [الخفيف]:

إنّ غفّارة الفرنسيس قد جا ... ءت حباء لسيّد الأمراء (٣)

ببياض القرطاس في اللون، لكن ... صبغتها سيوفنا بالدّماء

وقال أيضا [الطويل]:

أسيّد أملاك الزمان بأسرهم ... تنجّزت من نصر الإله وعوده

فلا زال مولانا يبيح حمى العدى ... ويلبس أسلاب الملوك عبيده

[تنكّره لرجال الدولة]:

وأخذ المعظّم في [إ] بعاد رجال الدولة، وأخرج الملك المغيث فتح الدين عمر ابن العادل

أبي بكر ابن الكامل من قلعة الجبل إلى الشوبك واعتقله بها. وأخرج الملك السعيد فخر الدين حسن ابن العزيز عثمان ابن العادل أبي بكر ابن أيّوب من القاهرة إلى دمشق فقبض عليه ابن يغمور واعتقله. وعزل الأمير حسام الدين أبا عليّ من نيابة السلطنة وأقام عوضه بالقاهرة في النيابة الأمير جمال الدين آقوش النّجيبيّ، واطّرح جانب أبي عليّ، وبعث يتهدّد شجر الدرّ حظيّة أبيه ويطالبها بالأموال والجواهر. فخافت من هوجه وخفّته.

وكاتبت المماليك البحريّة بما توعّدها به المعظّم، وذكّرتهم بما قامت به عند موت السلطان الملك الصالح من ضبط الدولة حتى قدم المعظّم، وأنّه جازاها على ذلك بتهديدها على ما ليس عندها.

فحنقوا لها وحرّك كتابها إليهم كوامن في أنفسهم، منها أنّه كان قد وعد الفارس أرقطاي لمّا جاءه إلى حصن كيفا بإمرة فلم يف له، فتنكّر عليه في باطنه، ومنها أفعاله التي لم يعهدوها من أبيه، ومنها تغييره الأحوال واطّراحه لجانب أهل الدولة وإعراضه عن البحريّة وإبعاده لترابي أبيه وغلمانه (٤) وتقديمه عليهم جماعته القادمين معه وتوليته إيّاهم الوظائف السلطانيّة. وكان قد جعل طواشيه مسرورا أستادار، وأقام صبيحا العبد الحبشيّ الفحل أمير جاندار وأنعم عليه بمال جزيل وإقطاع كبير، وأمر أن تصاغ له عصا من ذهب.

وأكثر من الإرعاد والإبراق على البحريّة حتى إنه كان إذا جلس مع ندمائه في الليل للمعاقرة يجمع ما بين يديه من الشموع ويضرب رءوسها بسيفه حتى تنقطع ويقول: هكذا أفعل بالبحريّة! - ويسمّيهم بأسمائهم.


(١) الفرنسيس يعني بها ملك الإفرنج.
(٢) الغفارة: رداء أو معطف، وأشكرلاط كلمة دخيلة بمعنى أحمر قان، وريدا فرنسيس هو ملك الفرنج، وظنّ المقريزيّ أنّ هذا هو اسمه.
(٣) في المخطوط: التي جاءت، والإصلاح من ذيل الروضتين ١٨٤.
(٤) السلوك ١/ ٣٥٠ حيث عدّد هذه المساوئ، وتراب أبيه لم ندر هل هم أترابه أم مربوه.

<<  <  ج: ص:  >  >>