وقال: هذا هو البرهان الذي أراده الله تعالى بقوله:
قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [البقرة: ١١١]، وقال: هذا بلاغ من يريد الإيمان والدخول في السابقين، أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ [الواقعة: ١١]، فكان من أدّى سبعة دنانير عن البلغة أطعمه شيئا حلوا لذيذا في قدر البندقة، وقال له:
«هذا طعام أهل الجنّة نزل إلى الإمام». وصار يبعث إلى كلّ داع منها مائة بلغة ويطالبه بسبعمائة دينار، عن كلّ واحدة سبعة دنانير.
[٥٠٩ أ] ثمّ فرض عليهم الخمس من كلّ ما يملكونه وما يكتسبونه، وتلا عليهم قول الله تعالى:
وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ [الأنفال: ٤١]، فبادروا إلى ذلك وقوّموا سائر ما يملكونه من ثوب وغيره وأدّوا منه الخمس، حتّى إنّ المرأة كانت تخرج من غزلها خمسه والرجل يخرج الخمس ممّا يكسبه.
ثمّ فرض عليهم «الألفة» وهي أنّهم يجمعون أموالهم في موضع واحد، وأن يكونوا فيه كلّهم أسرة واحدة لا يفضّل أحد من أصحابه على صاحبه ولا أخيه في ملك يملكه بشيء البتّة، وتلا عليهم قول الله تعالى: وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً ... الآية [آل عمران: ١٠٣]، وقوله تعالى:
لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [الأنفال: ٦٣]. وقال لهم: لا حاجة بكم إلى الأموال فإنّ الأرض بأسرها ستكون لكم دون غيركم، وقال لهم: هذه محنتكم التي امتحنتم بها ليعلم كيف تعملون. وألزمهم بشراء السلاح في سنة ستّ وسبعين ومائتين وأقام في كلّ قرية رجلا مختارا من الثقات تجمع عنده أموال قريته من غنم وبقر وحلي ومتاع وغير ذلك، فكان يكسو عاريهم وينفقعليهم ما يكفيهم حتّى لم يبق بينهم فقير ولا محتاج. وأخذ كلّ رجل منهم بالانكماش في صناعته والكسب بجهده ليكون له الفضل في رتبته، وجمعت إليه المرأة كسبها من مغزلها، وأدّى إليه الصبيّ أجر نظارته وحراسته للطير ونحوه، ولم يبق في ملك أحد منهم غير سيفه وسلاحه لا غير.
ثمّ لمّا استقام له ذلك كلّه أمر الدعاة أن تجمع النساء في ليلة عيّنها ويختلطن بالرجال حتّى يتراكبن، وقال: «هذا من صحّة الودّ والإلف»، ففعلوا ذلك.
ثمّ إنّه أفشى فيهم إباحة الأموال والفروج، والغنى عن الصوم والصلاة وجميع الفرائض، وقال: هذا كلّه موضوع عنكم، ودماء المخالفين وأموالهم حلال لكم، ومعرفة صاحب الحقّ تغنيكم عن كلّ شيء ولا تخافون معه إثما ولا عذابا.
وعنى بصاحب الحقّ الإمام محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق، وقال: بهذا الإمام اتّسقت هذه الأمور، ولولاه لهلك الخلق وعدم الهدى والعلم.
فبسطوا أيديهم بسفك الدماء وقتلوا جماعة ممّن خالفهم، فخافهم الناس ووافقهم كثير من مجاوريهم.
[[بناء دار الهجرة]]
ثمّ إنّ الدعاة اتّفقوا على بناء دار هجرة فأقاموا سورا في قرية يقال لها «مهتماباذ» من سواد الكوفة [٥٠٩ ب]، وجعلوا عرضه ثمانية أذرع، ومن ورائه [٣٤٥ ب] خندق عظيم، وبنوا من داخل السور المباني، وتحوّل إليها الرجال والنساء، وذلك في سنة سبع وسبعين ومائتين، كلّ ذلك والخليفة ببغداد