للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تولّيني العراق وتزوّجني سكينة بنت الحسين».

وجاء حتى جلس.

فقالوا: قم يا عبد الملك بن مروان.

فقام فأخذ بالركن اليمانيّ فقال: اللهمّ، ربّ السموات السبع وربّ الأرض ذات النبت بعد القفر، أسألك ما سألك عبادك المطيعون لأمرك، وأسألك بحرمة وجهك، وأسألك بحقّك على جميع خلقك، وبحقّ الطائفين حول بيتك أن لا تميتني حتى تولّيني شرق الأرض وغربها، ولا ينازعني أحد إلّا أتيت برأسه!

ثم جاء حتى جلس. فقالوا: قم يا عبد الله بن عمر.

فقام حتى أخذ بالركن اليمانيّ ثم قال: اللهمّ يا رحمان يا رحيم، أسألك برحمتك التي سبقت غضبك، وأسألك بقدرتك على جميع خلقك ألّا تميتني حتّى توجب لي الجنّة.

قال الشعبيّ: فما ذهبت عيناني حتّى رأيت كلّ رجل منهم قد أعطي [١٥٠ ب] ما سأل، وبشّر عبد الله بن عمر بالجنّة.

[[نموذج من بخل عبد الله بن الزبير]]

وكانت بين الزبير بن العوّام وبين عبد الله بن جعفر ضيعة بالقرب من المدينة. فلمّا قتل الزبير (١) سأل عبد الله بن الزبير ابن جعفر أن يقاسمه فأجابه إلى ذلك، ووعده البكور معه إليها.

ومضى ابن الزبير إلى الحسن والحسين وعبيد الله بن العبّاس وإلى جماعة من أبناء المهاجرين والأنصار رضوان الله عليهم، فسألهم أن يحضروا ما بينه وبين ابن جعفر، فأجابوه وغدوا لميعاده.

ووافاهم ابن جعفر.

وجاء ابن الزبير معه بجزور ودقيقة وقال لوكيله: اذبح الجزور ناحية واستر أمرها ولا تحدثنّ فيها حدثا حتى آمرك، فإنّي لا آمن انتقاض الأمر بيني وبين ابن جعفر.

ثمّ سأل القوم أن يسألوا عبد الله بن جعفر أخذ الغامر من الضيعة وتسليم العامر له، فكلّموه فأجابهم إلى ذلك. وجاع القوم حتى تشاكوا الجوع، فقال الحسن بن عليّ رضي الله عنه: لو كانت البراذين تؤكل أطعمتكم برذوني!

وقال الحسين رضي الله عنه: لو كانت البغال تؤكل أطعمتكم بغلتي!

فقال عبيد الله بن العبّاس رضي الله عنه: لكن البخاتيّ تؤكل، وكان تحته بختيّة قد ريضت فأنجبت.

فنهض إليها فكشط عنها رحلها وأخذ سيفه فوجأ به لبّتها. ونهض الناس إليها بكسر المرو (١*) والسكاكين وغير ذلك فسلخوها وأخذوا لحمها وأوقدوا سعف النخل. وبعث عبيد الله فأتوا بقدور وخبز كثير فشووا وطبخوا. فلم يشعر ابن الزبير إلّا بريح القتار وبالدخان، فظنّ أنّ وكيله نحر جزوره فجعل يشتمه ويعذله. فقال له: يرحمك الله، إنّ جزورك على حالها. ولكنّ عبيد الله بن عبّاس أطعمهم بختيّته.

فأكل القوم وانصرفوا، وأتى عبيد الله بدابّة فركبها وانصرف.

وقال ابن قتيبة: [١٥١ أ] بات ابن الزبير بالقفر- يعني منصرفه من إفريقيّة إلى المدينة- فلمّا قام ليرحل وجد رجلا طوله شبران عظيم اللحية على


(١) قتل في وقعة الجمل سنة ٣٦، قتله ابن جرمون (الخزانة ٤/ ٢٢٠).
(١*) المرو: حجارة الصوّان. وانظر الخزانة ٤/ ٤٤ في كرم عبيد الله بن العبّاس. وقول أبي الطفيل فيه [البسيط]:
ولا يزال عبيد الله مترعة ... جفانه، مطعما ضيفا ومسكينا

<<  <  ج: ص:  >  >>