للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وكانت الحواة بأعمال مصر تتقرّب إليه بما تصيده من ذلك فيثيبهم عليها. وكان له وقت يجلس فيه على دكّة مرتفعة، ويدخل المستخدمون والحواة فيخرجون ما في السلل ويطرحونه على ذلك الرخام، ويحرّشون بين الهوامّ، وهو ينظر إليها (١).

١٠٧٨ - جعفر بن فلاح [- ٣٦٠] (٢)

[٣٨٣ أ] جعفر بن فلاح بن مروان [ ... ]، أبو الفضل، الكتاميّ: من أرقى الكتاميّين بيتا وأجلّهم قدرا.

كان أبوه قائدا جليلا، ولي مدينة طرابلس، وبرقة وباجة. وكان حسن السيرة في الرعيّة. مات في رجب سنة خمس وأربعين وثلاثمائة.

ونشأ ابنه جعفر بالمغرب في خدمة المعزّ لدين الله. وهو أحد الجعفرين اللذين أرشد ابن هاني الشاعر الأندلسيّ إليهما، فإنّه، لمّا امتدح جوهر القائد، أعطاه مائتي درهم فاستقلّها وسأل عن كريم يمدحه فقيل له: عليك بأحد الجعفرين: جعفر بن فلاح وجعفر بن علي بن حمدون المعروف بابن

الأندلسيّة، فمدح جعفر بن فلاح فأعطاه مائتي دينار. ومن شعره فيه [البسيط]:

كانت محادثة الركبان تخبرني ... عن جعفر بن فلاح أطيب الخبر

حتى رأيت، فلا والله ما سمعت ... أذناي بالعشر ممّا قد رأى بصري (٣)

ثمّ انتقل إلى جعفر ابن الأندلسيّة وهو يومئذ أمير الزاب، فلم يزل عنده إلى أن استدعاه المعزّ لدين [لله]، فبعث به إليه في جملة تحف وطرائف.

ولمّا جهّز المعزّ لدين الله القائد جوهر من بلاد المغرب لأخذ مصر، سار معه جعفر بن فلاح إلى أن وافت العساكر الجيزة، وقد نزل الإخشيديّة بالجزيرة التي تعرف اليوم بالروضة لقتال جوهر، وضبطوا الجسرين (٤)، وتقدّم منهم عدّة إلى الجيزة. فلمّا شاهد جوهر ذلك عاد إلى منية شلقان، فعبر [إلى] مصر من هناك. وبعث فاستقبل المراكب الواردة من تنيس ودمياط وأسفل الأرض فأخذها. وتولّى العبور إليهم جعفر بن فلاح عريانا في سراويل ومعه جمع من المغاربة، فوقع القتال، وقتل خلق من المصريّين. وكان الفتح، ودخول جوهر، وبناية القاهرة في شعبان سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة (٥).

فأقام جعفر بن فلاح بالقاهرة إلى ثاني عشر المحرّم سنة تسع وخمسين وثلاثمائة. وسار إلى الشام في عسكر كبير إلى أن قدم الرملة، وبها الحسن بن عبيد الله بن طغج وجعفر القرمطيّ (٦)


(١) هذا الوزير الخطير ذو الشخصيّة القويّة قد لفت انتباه جلّ المؤرّخين والمترجمين، وقد اعتبروا فيه تعدّد الاهتمامات من رواية الحديث والحنكة السياسيّة والارتياح لملاحظة الهوامّ والحشرات ورووا عنه في هذه الهواية الغريبة الطرائف والنوادر. ولا شكّ أنّه مهّد لاقتحام الفاطميّين أرض مصر. والدليل على تواطئه معهم المعاملة الخاصّة التي عامله بها جوهر أثناء المفاوضات مع الوفد المصريّ. هذا وقد خصّصت دائرة المعارف الإسلاميّة فصلا مطوّلا لأسرة ابن الفرات الوزيريّة ولا سيّما للمترجم له هنا، ولوالده الوزير العبّاسيّ.
(٢) وفيات ١/ ٣٦١ (١٣٨)؛ الداعي بإدريس: تاريخ ٦٩١؛ أمراء دمشق ٢١٠. وفي بعض هذه المصادر، كنيته أبو علي، وعليّ ابنه معروف.
(٣) البيتان ينسبان أيضا إلى أبي تمّام، مع اختلاف. وانظر طبعتنا لديوان ابن هاني ٢/ ١٧٠.
(٤) هما جسرا الفسطاط والجيزة (الخطط ٢/ ١٧٠).
(٥) هذه الأحداث مفصّلة في ترجمة جوهر، رقم ١١٠٢.
(٦) في المخطوط: ابن القرمطيّ، والإصلاح من الاتّعاظ وممّا سيأتي.

<<  <  ج: ص:  >  >>