للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

سلطاني رجل لم يبايعني. فلك ألف ألف درهم أعجّل لك منها مائتي ألف درهم ولك السفن التي أرفأت (١) إليك من مصر- وكانت سفنا بعث بها إليه فيها أمتعة وأطعمة.

فكتب إليه ابن الحنفيّة: قد قدمنا بلادك بإذنك إذ كان ذلك لك موافقا. وارتحلنا عنها إذ كنت لجوارنا كارها.

[رجوعه إلى مكّة ثمّ خروجه إلى الطائف]

وقدم ابن الحنفيّة مكّة فنزل الشعب. فبعث إليه ابن الزبير: ارتحل عن هذا الشعب! فما أراك منتهبا عنه أو يشعّب الله لك ولأصحابك فيها أصنافا من العذاب.

وكتب إلى مصعب بن الزبير أخيه يخبره بأسماء رؤساء أصحاب ابن الحنفيّة ويأمره أن يسيّر نساءهم من الكوفة. فسيّر نساء نفر [١٣٠ أ] منهم.

وكفّ ابن الزبير عن ابن الحنفيّة حتّى إذا حجّ الناس وكان يوم النّفر أرسل إليه: تنحّ عن هذا المنزل، وانفر مع الناس. وإلّا فإنّي منازلك.

فسأله معاذ بن هاني وغيره من أصحابه أن يأذن في مقارعته، وقالوا: قد بدأك بالظلم واضطرّك وإيّانا إلى الامتناع.

فقال له ابن مطيع: لا يغرّنّك قول هؤلاء! فإنّهم قتلة أبيك وأخيك.

فقال: نصبر لقضاء الله. اللهمّ ألبس ابن الزبير لباس الذلّ والخوف. وسلّط عليه وعلى أشياعه وناصريه من يسومهم مثل الذي يسوم الناس! اللهمّ أبلسهم بخطيّته واجعل دائرة الشرّ عليه! سيروا بنا على اسم الله إلى الطائف!

فقام ابن عبّاس رضي الله عنه فدخل على ابن

الزبير رضي الله عنه فقال له: ما ينقضي عجبي من تنزّيك على بني عبد المطّلب! تخرجهم من حرم الله وهم والله أولى به وأعظم نصيبا فيه منك. إنّ عواقب الظلم لتردّ إلى وبال.

فقال ابن الزبير: ما منك أعجب، ولكن من نفسي حين أدعك تنطق عندي ملء فيك.

قال ابن عبّاس: والله ما نطقت عند أحد من الولاة أخسّ منك! قد والله نطقت غلاما عند رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأبي بكر. ونطقت رجلا عند عمر، وعثمان وعليّ رضي الله عنهما يرونني أحقّ من نطق فيستمع لرأيي وتقبل مشورتي. وكلّ هؤلاء خير منك ومن أبيك.

فقال: والله لئن كنت لي ولأهل بيتي مبغضا، لقد كتمت بغضك وبغض أهل بيتك مذ أربعين (٢) سنة.

فقال ابن عباس: ذلك والله أبلغ إلى جاعرتيك (٣).

بغضي والله صرّك وآثمك (٤) إذ دعاك إلى ترك الصلاة على النبيّ صلّى الله عليه وسلم في خطبتك. فإذا عوتبت على ذلك قلت: إنّ له أهيل سوء، فإذا صلّيت عليه تطاولت أعناقهم وسمت رءوسهم.

فقال ابن الزبير: اخرج عنّي، ولا تقربني!

فقال: أنا أزهد فيك من أن أقربك. ولأخرجنّ عنك خروج من يذمّك ويقليك.

فلحق بالطائف، فلم يلبث إلّا يسيرا حتى توفّي. فصلّى عليه ابن الحنفيّة وكبّر أربعا (٥) وضرب على قبره فسطاطا.


(١) أرفأت السفينة: دنت من الشطّ.
(٢) في المخطوط: مذ أربعون.
(٣) الجاعرتان: الإليتان.
(٤) آثمك: أوقعك في الإثم، أمّا صرّك، فلعلّها من الصرّة وهي الشدّة من الكرب.
(٥) لا خمسا كما يفعل الشيعة، انظر أسفله ص ١٥٩ هـ ١.

<<  <  ج: ص:  >  >>