للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فلمّا أهلّت سنة سبعمائة قدم الخبر بحركة غازان. فوقع الاهتمام بالسفر وندب الوزير شمس الدين سنقر الأعسر، ومتولّي القاهرة ناصر الدين محمد بن ذبيان ابن الشيخي لتحصيل الأموال، وكتب بذلك إلى بلاد الشام. وقرّر بمصر والشام على العقارات من الدور والبساتين ونحوها مال، وفرض على الأغنياء مال، فجبي من القاهرة ومصر والوجه القبليّ والوجه البحريّ مائة ألف دينار، وجبي أيضا من الشام مال عظيم. واستجدّ عسكر بدمشق عدّته ثمانمائة فارس أعطي كلّ منهم ستّمائة درهم. وعرض عسكر مصر بميدان القبق تحت القلعة لمدّة عشرين يوما. وعبّئت الإقامات بطريق الشام.

وخرج السلطان في يوم السبت ثالث عشر صفر وسار إلى غزّة. فقدم الخبر بعبور غازان من الفرات إلى أنطاكية وأنّ الناس قد جفلوا قدّامه وخلت بلاد حلب، وأنّ قراسنقر نائبها تأخّر إلى حماة، وبرز هو وكتبغا نائب حماة بظاهرها.

فرحل السلطان إلى العوجاء واشتدّ البرد والأمطار حتى أقامت مدّة أحد وأربعين يوما لا تبطل. فانقطع المدد وغلا السعر حتّى أبيعت العليقة الشعير بثلاثة دراهم، والحمل من التبن بأربعين درهما، والخبز كلّ ثلاثة أرغفة [٩٠ أ] بدرهم، واللحم كلّ رطل ستّة دراهم. وجاء عقيب المطر سيلجارف أتلف أكثر متاع العسكر، وهلك عدّة من الغلمان وأربعة من الأجناد.

ثمّ وقع الرحيل، بعد هذه المدّة، من العوجاء، فقدم البريد بمسير غازان من جبال أنطاكية على جبال السماق إلى قرون حماة وشيزر فنهب وسبى خلقا كثيرا وساق مواشي لا تعدّ، وتوجّه يريد دمشق. فأرسل الله عليه من الثلوج والأمطار ما لم ير مثله، فوقع في عساكره وخيوله وجماله وباء شديد، هلك فيه من جشارات (١) غازان خاصّة عشرة آلاف فرس وصار أكثر فرسانه رجّالة، وعاد. ثمّ إنّ غازان بعد ذلك خاض الفرات في حادي عشر جمادى الأولى، فسرّ الناس بذلك سرورا كثيرا.

وندب الأميران بكتمر السلاح دار، وبهاء الدين يعقوبا بألفي فارس إلى حلب لتقع سمعة ذلك في البلاد وتطمئنّ الرعايا. وعاد السلطان ببقيّة العساكر إلى مصر في سلخ ربيع الآخر. وصعد قلعة الجبل في يوم الاثنين حادي عشر جمادى الأولى، فاستقرّ بها إلى أن كان شهر رجب.

[حادثة اللباس المميّز للنصارى واليهود]

[ف] اتّفقت واقعة النصارى وألزموا بلبس العمائم الزّرق، وألزم اليهود بلبس العمائم الصفر، كما قد ذكر في ترجمة بيبرس الجاشنكير (٢). فالتزموا جميعهم ذلك، فاستمرّ إلى اليوم من بلاد النوبة إلى الفرات.

[[سفارة من غازان في الصلح]]

وفي ثالث عشرين ذي القعدة قدم إلى دمشق رسل غازان في نحو عشرين فارسا. فحمل منهم كمال الدين موسى بن يونس [الإربليّ] قاضي الموصل في اثنين (٣) إلى مصر، فقدموا ليلة خامس عشر ذي الحجّة وأنزلوا بقلعة الجبل، واجتمع الأمراء والعساكر وقت العصر من يوم الثلاثاء سادس عشره بالقلعة، وألبست المماليك السلطانية كلفتاة زركش وأقبية بطرز زركش.

وجلس السلطان بعد العشاء الآخرة، وبين يديه ألف شمعة تشتعل، والمماليك وقوف صفّين من


(١) الجشار: قطيع البقر أو الخيل.
(٢) مرّت برقم ١٠٠٤.
(٣) أي: مع اثنتين منهم، سمّاهم المقريزي في السلوك ١/ ٩١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>