للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

علي محمد بن علي [بن الحسن] (١) بن مقلة- وكان يرجف له بالوزارة- فنظر إلى السّترين والإجّانتين، وقال: يا أبا عليّ، ما أحتمل لك هذا كلّه! أرسل إليّ فرد ستر وإجّانة!

فضحك، وانقضى المجلس، فلمّا قام أبو علي ابن مقلة بعث إليه بالعدلين والعشرين إجّانة.

فبعث إليه رقعة بشكره فيها، ولم تمض غير أيّام قلائل حتى تقلّد ابن مقلة الوزارة، فبعث إلى أبي زنبور يقول: يا أبا عليّ، إنّي لم أتقلّد الأمر إلّا من جهة البقايا (٢). وأنت في الأوّل. تقوم الساعة فاعمل للنفقة وجوها، وتبقّي اثنين وستّين ألفا وستّمائة واثنين وخمسين دينارا وكذا، وائتني العشيّة بالعمل!

ففعل أبو زنبور ذلك ومشى به إلى الوزير وانصرف عنه، فلمّا كان من السحر أتاه رسول الوزير، فصار إليه، فقال له: عندك خبر؟ دخلت البارحة على أمير المؤمنين بعد ذهابك، فقلت: يا أمير المؤمنين، أتعبت وزيرك بالبقايا وشغلته بها عن الأصول وعن التدبير، وأكثر هذه البقايا محال: هذا عبدك الحسين بن أحمد عامل مصر، عليه بقايا، وقد أخرج لها وجوها. وبقّى على نفسه شيئا مبلغه نيف وستّون ألف دينار وكسر.

ولولا أنّ حسابه صحيح، ما كان يبقّي على نفسه شيئا.

فقال: هو كذلك.

فقلت: يا أمير المؤمنين، تترك حسابه على ما هو عليه.

فقال: أفعل

فقلت: ويسمح له بما بقّاه من منكسر وتالف.

فقال: أفعل.

فقلت: قد طال مقامه، فيردّ غير وال؟

قال: يردّ إلى عمله.

فقلت: فأين موضع عنايتي به؟

فقال: زده الشام.

[قال]: وهذه كتبك، سر في غد ولا تتأخّر ولا تتجهّز أنت بتجهّز بالرقّة وحلب.

فودّعه وسار حتى قدم مصر.

[[براعته في حساب الخراج]]

ودفع مرّة ستّمائة ألف دينار إلى أبي الحسين محمد بن [الحسين] بن عبد الوهّاب (٣)، ومع المال دفتر، وقال له: اصرف هذا المال أنت، وإسحاق بن نصير (٤)، ومحمد بن زيد، على ما في [٤٣٧ أ] هذا الدفتر.

فاختزلوا من المال ثلاثين ألف دينار وصرفوا ما بقي، وتركوا الدنانير عند إسحاق بن نصير، ورفعوا الحساب. فأقام شهرا واتّعدوا على قسمة ما اختزلوه. فعند ما اجتمعوا في منزل إسحاق أتاهم رسول أبي زنبور بحضور أبي الحسين. فقام ودخل عليه وأكل معه، وأخرج إليه الحساب فأراه فصوله، وسأله عنه فصلا فصلا. فسكت [أبو] الحسين عن فصول، فقال له أبو زنبور: لعلّكم اختزلتم شيئا؟

قال: نعم، ثلاثين ألف دينار، وهي بحالها.

فعبّس أبو زنبور وجهه وقال: أتظنّ أنّه بخل عليكم؟ ولكن كان سبيل هذا أن يكتب كذا، وهذا


(١) الزيادة من الوافي ٤/ ١٠٩ (١٠٩٨)، وقال: صاحب الخطّ المنسوب. وانظر ما كتب في دائرة المعارف الإسلاميّة عن ابن مقلة ٣/ ٩١١، وابن البوّاب ٣/ ٧٥٩ بخصوص هذا النوع من الخطّ.
(٢) أي بقيّة الدين للدولة.
(٣) هو كاتبه (الصولي: وزراء ٥١).
(٤) ابن نصير النصرانيّ (النجوم ٣/ ١٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>