وقد مضى السفر أجمعهم، ولم يتأخّر سواه. فسئل عن تأخّره، وقد مضى الناس، فقال: أنا متحيّر:
العلم يأمرني بحمل شيء من هذا الماء والتوكّل ينهاني، وأنا حائر بين هذين- أهذا علم أم جهل؟
وقال الحافظ جمال الدين يوسف اليغموري، ومن خطّه نقلت: وقال لي الشيخ: وما من حال ذكر في الرسالة للقشيري إلّا وقد شاهدته نفسي.
وقال لي السخاوي: إنّي أستحي أن أتحدّث عن الشيخ بكلّ ما رأيته خشية أن أكذب- وسكت ثمّ قال: والله لقد بتّ ليلة بالقاهرة في بيتي، وكان الشيخ بمصر فأحسست وأنا نائم، به ينبّهني، فانتبهت وإصبع في صدري توقظني. فلمّا اجتمعت به من الغد بمصر، أوّل ما استقبلني به أن قال: واسوادي منك يا غلام! إخوانكم يدعون لكم بالليل وأنتم تنامون!
وقال الشيخ العارف شرف الدين أبو محمد عبد الله بن علي بن محمد بن عبد الله الحسينيّ الحجازيّ: ذكر يوما عند شيخنا علم الدين السخاويّ الشيخ القرشيّ، فقال لي: اجتمع بالشيخ حسن العجّان وسلّم عليه عنّي وقل له يحكي لك حكايته مع الشيخ القرشيّ.
(قال): فاجتمعت بالشيخ حسن كما أمر وبلّغته سلامه وقلت له: أشتهي أن تحكي لي حكايتك مع الشيخ القرشيّ.
[[معجزة يده المجذومة]]
فقال لي: يا ولدي، قدمت مع شيخي فلان إلى بيت المقدس وأنا صبيّ، والشيخ القرشيّ به.
وكان شيخي كثير التودّد إليه والاحترام له، وأنا معه. وكان الشيخ القرشيّ قد أصابه الجذام وتقيّح جسمه، وكانت نفسي تنفر منه. وكنت أتلو الختمة ولي صوت حسن، فكان في بعض الأوقات يأمرني بأن أقرأ شيئا من القرآن ويعجبه ذلك. فانقطعت عنه مدّة فسأل شيخي عني، فقال: حاضر في المكان الذي لنا.
فقال: أحبّ أن تأمره أن يقرأ عليّ ختمة.
فقال شيخي: السمع والطاعة!
ثمّ جاء إلى المنزل الذي لنا فقال لي: يا حسن، قد سأل الشيخ القرشيّ عنك اليوم، وقد سألني أن تقرأ عليه ختمة، فامض إليه.
فقلت: السمع والطاعة! - وكرهت نفسي ذلك، ثمّ لم أجد بدّا من الروح إليه فمضيت. فلمّا دخلت عليه- وكان ضريرا- قال: يا حسن أوحشتنا! لأيّ شيء انقطعت عنّا، وأنا تعجبني قراءتك؟
فاعتذرت إليه، ثمّ قال [٦٠ أ] لخادمه: ائتنا بشيء نأكل!
فأحضر خبزا ولبنا، فنفرت نفسي من ذلك أشدّ النفور.
فقال الشيخ: تقدّم يا حسن حتّى نتمالح معك! - وأخرج يده فإذا هي أحسن الأيدي، وليس بها شيء من الجذام الذي كنت أراه.
فقال: كل! - فأكلت، فلمّا فرغنا من الأكل نظرت إلى يديه وإذا هي كما كانت. فضرب على كتفي وقال: يا حسن، المغاربة يعرفو [ن] السيمياء: لا تغترّبما ترى!
(قال): فما عدت نفرت منه أبدا رضي الله عنه.
وكان رضي الله عنه قد تزوّج ثلاث زوجات:
أولاهنّ يقال لها كفاه ماتت في عصمته، فتزوّج بعدها بابنة رشيق، فزار قبرها ذات يوم، وأخرج من معه عنه، فسمع وهو يقول عند قبرها: ما تعرفي أنّني مريض ولا أستغني عمّن يخدمني؟ ما أنا معذور؟