للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[[خلاص إبراهيم من النار]]

وقال مقاتل: أوّل من اتّخذ المنجنيق نمروذ.

وذلك أنّ إبليس جاءهم لمّا لم يستطيعوا أن يدنوا من النار التي أضرموها لرمي إبراهيم فيها، فقال:

أنا أدلّكم.

فاتّخذ لهم المنجنيق، صنعه له رجل من الأكراد يقال له: هبون. وكان أوّل من صنع المنجنيق، فخسف الله به الأرض. وجيء بإبراهيم عليه السلام فخلعوا ثيابه وشدّد رباطه، فوضع في المنجنيق، فبكت السموات والأرض والجبال والشمس والقمر والعرش والكرسيّ والسحاب والريح والملائكة، كلّ يقول: يا ربّ عبدك إبراهيم بالنار يحرق، فائذن لنا في نصرته- فقالت النار وبكت: يا ربّ، سخّرتني لبني آدم، وعبدك يحرق بي! .

فأوحى الله إليهم إنّ عبدي إيّاي عبد، وفي جنبي أوذي، إن دعاني أجبته، وإن استنصركم فانصروه.

[و] لمّا رمي استقبله جبريل عليه السلام بين المنجنيق والنار فقال: السلام عليك يا إبراهيم، أنا جبريل، ألك حاجة؟

فقال: أمّا إليك فلا! حاجتي إلى الله ربّي.

فلمّا أن قذف سبقه إسرائيل فسلّط النار على قماطه (١). وقال الله: يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً [الأنبياء: ٦٩]. فلو لم يخلط بالسلام لآذاه البرد.

ودخل جبريل معه، وأنبت الله حوله روضة خضراء، وبسط له بساط من درنوك (٢) الجنّة، وأتى بقميص من حلل جنّة عدن فألبس [هـ]، وأجري

عليه الرزق غدوة وعشيّا، إسرائيل عن يمينه وجبريل عن يساره.

وعن عكرمة في قوله تعالى: قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ [الأنبياء: ٦٩] أنّ نار الدنيا كلّها لم ينتفع بها أحد من أهلها. فلما أخرج الله إبراهيم [٤ ب] من النار، زاده (٣) الله في حسنه وجماله سبعين ضعفا.

وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال:

كانت البغال تتناسل، وكانت أسرع الدوابّ في نقل الحطب لحرق إبراهيم عليه السلام فدعا عليها، فقطع الله نسلها. وكانت الضفادع مساكنها القفار، فجعلت تطفئ النار عن إبراهيم. فدعا لها فأنزلها الله الماء. وكانت الأوزاغ تنفث عليه النار فلعنها فصارت ملعونة، فمن قتل منها شيئا أجر! .

وعن ابن عبّاس رضي الله عنه قال: لمّا ألقي بإبراهيم عليه السلام في النار قال: حسبي الله ونعم الوكيل! .

وقال الزبير بن بكّار: حدّثني عبد الرحمن بن المغيرة قال: لمّا رأى الناس أنّ إبراهيم عليه السلام لا تحرقه النار قالوا: ما هو إلا عرق الندى ومانعرفه. ألا ترى: ما تضرّه النار ولا تحرقه فسمّي عرق الندى.

وقال وهب: فلمّا رأوا الآية الباهرة آمن منهم بشر كثير. فأتى الجمع إلى نمروذ فقالوا: إنّ إبراهيم قد استمال الناس، وقد صبا إليه خلق كثير. فجمع نمروذ وزحف، يريد إبراهيم ومن معه. فأوحى الله إلى إبراهيم: ارحل بمن معك! .

[[هجرة إبراهيم إلى مصر]]

فرفع بامرأته سارة وجميع من آمن به حتّى بلغ مدين فنزل، ونمروذ سائر بجموعه خلفه. فأرسل


(١) القماط: حبل يشدّ به اليدان والرجلان كما يفعل بالأسير أو بالصبيّ في المهد.
(٢) درنوك: طنفسة. بساط أصفر (دوزي).
(٣) في المخطوط: وزاده.

<<  <  ج: ص:  >  >>