للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

اكفياني أكفكما، ولا كأصيلع كنت تمنّيه بكهانتك! وايم الله لأضعنّ منك ما رفعا، ولأقلّنّ منك ما كثّرا! فضحّ رويدا وكأن قد أصبحت سادما، تعضّ أنا ملك نادما، والسلام.

فكتب إليه موسى بن نصير: أمّا بعد، فقد قرأت كتابك، وفهمت ما وصفت فيه من إركاني إلى أبويك وعمّيك، ولعمرك إن كنت لذلك أهلا، ولو خبرت منّي ما خبرا لما صغّرت منّي ما عظّما، ولا جهلت من أمرنا ما علما، وكيف أتاه الله لك. فأمّا انتقاصك لهما فهما لك وأنت منهما، ولهما منك ناصر. ولو قال وجد عليك مقالا، وكفاك جزاء العاقّ. [٢٣٢ أ] فأمّا ما نلت من عرضي فذلك موهوب لحقّ أمير المؤمنين لا لك. وأمّا تهدّدك إيّاي بأنّك واضع منّي ما رفعا، فليس ذلك بيدك ولا إليك، فأرعد وأبرق لغيري! وأمّا ما ذكرت ممّا كنت آتي به عمّك عبد العزيز، فلعمري إنّي ممّا نسبت إليه من الكهانة لبعيد، وإنّي من غيرها من العلم لقريب، فعلى رسلك، وكأن قد أطلّك البدر الطالع والسيف القاطع والشهاب الساطع، فقد تمّ لك؟ وتمّت له، ثمّ بعث إليك الأعرابيّ الجلف فلم تشعر حتّى يحلّ بعقوتك فيستلبك سلطانك ولا يعود إليك ولا تعود إليه، فيومئذ تعلم أكاهن أنا أم عالم، وتوقن أيّنا النادم السادم، والسلام.

فلمّا قرأ عبد الله الكتاب، كتب إلى عبد الملك ابن مروان كتابا، وأدرج فيه كتاب موسى، فلم يصل إلى عبد الملك حتى قبض. ووقع الكتاب في يد الوليد بعد عزل عبد الله عن مصر وولاية قرّة بن شريك (١). فلمّا قرأه استضحك ثمّ قال: لله درّه! إن كان عنده لأثرة من علم، ولقد كان عبد الله غنيّا أن يتعرّضه.

[[عزله عن مصر]]

ثم إنّ يحيى بن حنظلة نزّه عبد الله إلى أبي النحرس (١*) بالجيزة- وقيل: إلى أوسيم. فلمّا متع النهار (٢*) أقبل قرّة بن شريك واليا على مصر (٣*).

فكتب إليه عبد الأعلى بن خالد يعلمه، فأتاه الخبر، وقد أهديت له جارية فبكى، ولبس خفّيه قبل سراويله دهشا، ولبس سراويله مقلوبا.

وكانت ولايته على مصر سنتين وعشرة أشهر (٤*).

ويقال إنّ الذي أضاف عبد الله رجل من القبط بناحية وسيم. فلمّا تناهى في الوليمة بعث إلى عبد الله أن شرّفني بحلولك عندي فأبى عليه.

فجاءه وقال: عزمت عليك وتعبت فلا تخجلني!

فقال: لا أفعل.

قال: هذه مائة ألف دينار، خذها وانصرف معي لأكبت أعدائي بحضورك عندي.

قال: هاتها!

فأحضرها. فلمّا قبضها ركب معه في جنده إلى أن أتى المعدّية [ف] قدّم أصحابه كلّهم بين يديه فعدّوا النيل وهو واقف. فأتاه خبر عزله، فأعاد المال على القبطيّ وقال: قد عزلنا.

فقال: والله لا بدّ أن تكون ضيفي وتشرّف منزلي وتأكل طعامي! وو الله لا عاد لي شيء من المال! ودعك منصرفا؟

فعدّى معه (٥*).


(١) في سنة ٩٠ - الكامل ٤/ ١١٦.
(١*) الكندي، ٦٢: منية له. وقال في يحيى بن حنظلة: مولى بني السهم.
(٢*) متع النهار (وزن فتح): بلغ غاية ارتفاعه.
(٣*) في ربيع الأول سنة ٩٠.
(٤*) وكذلك في الخطط ٢/ ٨٥. أمّا النويري: نهاية الأرب ١/ ٢٢١ فقال: ثلاث وعشرة.
(٥*) الفضة في الخطط، ١/ ٢٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>