للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الواجبات عليهم.

فلمّا دخل جمادى الآخرة أخذ يدبّر على أهل مصر وسلّط طوائف الرجّالة، وتقدّم إلى مقدّمي السودان وغيرهم بما يفعلونه: فكانوا ينزلون إلى مدينة مصر طوائف فيكبسون الحمّامات نهارا ويأخذون النساء ويلجون الدور ويسلبون الناس في الطرقات ليلا ونهارا. ثم وجدت عدّة رقاع في المساجد تتضمّن تهديد أهل مصر بالقتل والحريق ونهب المال وسبي الحريم فتزايد ضرر النّاس.

وفتحت حوانيت البزّازين ونهب ما فيها، والناس يصيحون من أعلى الدور فلا يجدون من يغيثهم.

وصارت الحوانيت مفتّحة، والبلد في حركة شديدة من نقل الأمتعة من الحوانيت إلى الدور.

ثم نزل جمع كبير من العبيد إلى مصر، وقد غلقت الدروب قبل غروب الشمس، فمرّوا في المدينة وفتحوا ما وراء الجامع من النحّاسين والبزّازين والسكريّين والمربعيّين (١) ودار الشمع، وأخذوا ما قدروا عليه وأفسدوا ما بقي، حتى كانوا يخلطون العقاقير بعضها ببعض، ويخلطون الزيت بالمياه المختلفة ويفسدون هذا بهذا. فنزل بالناس من البلاء ما لا يمكن وصفه. ونقلوا أمتعتهم من مصر إلى القاهرة، وتزايد النهب، وطرحت النيران في أبواب القياسر المجاورة للجامع وقد نهبت.

وتخطّفت الناس فسلبوا وأخذت عمائمهم، فعظم الضجيج والصراخ، وكثر الدعاء، فوقفوا إلى الحاكم فشكوا ما هم فيه. وتقدّم بعض الأشراف في طائفة منهم للشكوى فصار للناس دويّ كالرعد وارتفعت شهب النيران بالحريق، فقال الحاكم (٢): ما للنّاس؟

فقالوا: يا مولانا، عبيد الشرّ قد أخربوا البلد، وسلبوا أهله وسبوا حريمه.

فقال: ومن أمرهم بهذا لعنهم الله؟

فقال له بعض الأشراف: أراك الله في أهلك ما رأيناه في أهلنا.

فلم يزده على أن قال له: أيّها الشريف، أنت معذور لأنّك مغتاظ.

فاجتمع عند ذلك الأتراك والكتاميّون، وتحالفوا على قتال الرجّالة، فكانت بينهم حروب كثيرة قتل فيها عالم كثير من الرجّالة. وطالت عدّة أيّام والحاكم يركب حماره ويأتيهم، فإذا رأوه تفرّقوا هيبة له، ثم إذا مضى عادوا لحربهم. فاشتدّ حنقه على الأتراك والكتاميّين.

وهذا الدرزيّ هو الذي أدخل دعوة الحاكم إلى بلاد الشام والساحل واستجاب له عالم كثير منهم، وصار لهم مذهب رديء ويعرفون إلى اليوم بالدرزيّة.

ومن مذهبهم كتمان السرّ، فلا يطلعون سواهم على عقائدهم. ويذكر أنّ هذا الدرزيّ أباح البنات والأخوات والأمّهات، وهم إلى اليوم على ذلك، ويصرّحون بأنّ الحاكم حيّ وأنّه سيعود.

٨٤٧ - آنوك بن محمد بن قلاوون [٧٢١ - ٧٤١] (٣)

[٢٣١ أ] آنوك بن محمد بن قلاوون، الأمير [٢٢٦ أ] ناصر الدين، ابن السلطان الملك الناصر، ابن السلطان الملك المنصور، أمّه خوند طغاي.

ولد للنصف من جمادى الآخرة سنة إحدى


(١) كلمة غامضة، وكذلك في الدول المنقطة، ٥٦. ولعلّها تعني بائعي المرابع، والمربع منديل للنسوة (دوزي).
(٢) عبارة ابن ظافر: فتجاهل عليهم وقال: ...
(٣) الوافي ٩/ ٤٣١ (٤٣٦٥)؛ المنهل ٣/ ١٠٨ (٥٥٨)، الدرر ١/ ٤٤٦ (١٠٨٣)، بدائع الزهور ١/ ٤٧٧، السلوك ٢/ ٥٥٣، تذكرة النبيه ٢/ ٣١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>