للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وبعث الحجّاج إلى عبد الملك بمال كثير وهو يومئذ بحمص [٣٣٢ ب] فأبرز سريره إلى برج حمص. ثمّ جلس وجلس الناس إليه فيهم خالد وأميّة ابنا عبد الله القسريّ، فلمّا عرضت عليه هديّة الحجّاج قال: هذه والله الأمانة والنصيحة والحزم!

[سياسة الحجّاج غاشمة]

ثمّ أشار إلى خالد فقال: إنّي استعملت هذا على البصرة فاستعمل كلّ فاسق فجبى عشرة فاختان تسعة ورفع إلى هذا درهما، فرفع إليّ من الدرهم سدسا. واستعملت هذا- يعني أميّة- على خراسان وسجستان، فبعث إليّ بمفتاح من ذهب زعم أنّه مفتاح مدينة الفيل (١)، وبرذونين حطمين وجوير [ي] ات، واستعملت الحجّاج ففعل كذا وكذا، فإذا استعملتكم ضيّعتم (٢) وإذا عزلتكم قلتم: قطعتم أرحامنا.

فرفع خالد رأسه، فقال: استعملتني على البصرة، وأهلها رجلان: مطيع مناصح ومخالف مشانح (٣)، فأمّا المطيع فإنّي جزيته بطاعته فازداد رغبة. وأمّا المخالف فإنّي داويت عداوته واستللت ضغينته وكنزت صدره ودّا، وعلمت أنّي متى أصلح الرجال أجب المال. واستعملت الحجّاج فجبى لك المال وكثّر العداوة في صدور الرجّال، فكأنّك بالعداوة التي كنزها لك قد ثارت بالرجال، فأنفقت المال فلا مال ولا رجال.

فسكت عبد الملك، فلمّا كان هيج عبد الرحمن ابن الأشعث جلس عبد الملك ومعه خالد، فجعل يندب الناس إلى الفريضة ويضحك (٤).

وقال يحيى بن الحكم بن أبي العاصي: والله لقد كان الحجّاج وما عربيّ أنقص منه أدبا، فطالت ولايته فكان لا يسمع إلّا ما يحبّ فمات، وإنّه لأحمق سيّء الأدب.

وقال ابن شوذب: ولي الحجّاج وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة، ومات وهو ابن ثلاث وخمسين، فما رؤي مثله لمن أطاعه ولا مثله لمن عصاه.

[إشادة المنصور العبّاسيّ بخصال الحجّاج]

وقال إبراهيم بن صالح: كنّا في مجلس الصحابة ننتظر الإذن، فكان ممّن حمده (٥) معن بن زائدة، وممّن ذمّه الحسن بن زيد، فأذن لنا فدخلنا على المنصور، فقال الحسن بن زيد: يا أمير المؤمنين، ما كنت أحسبني أبقى حتّى يذكر الحجّاج في دارك وعلى بساطك فيثنى عليه.

فقال له: وما استنكرت من ذاك؟ رجل استكفاه قوم فكفاهم. والله لوددت أنّي وجدت مثل الحجّاج حتّى أستكفيه أمري، وأنزل أحد الحرمين حتى يأتيني أجلي.

فقال معن: يا أمير المؤمنين، إنّ لك مثل الحجّاج عددا من أصحابك لو استكفيتهم كفوك.

قال: ومن هم؟ كأنّك تريد نفسك!

قال: وأريدها، فإنّي أبعد من ذاك.

قال: كلّا، لست هناك. إنّ الحجّاج ائتمنه القوم فأدّى لهم الأمانة. وإنّا ائتمنّاك فخنتنا.

ولمّا مات الحجّاج، قال الوليد بن عبد الملك:

أما والله لئن سئلت عنه- ولأسألنّ- لأقولنّ: كان والله القويّ الأمين.

وقال مالك بن دينار: ربّما سمعت الحجّاج يخطب فيذكر ما صنع به أهل العراق وصنع بهم،


(١) الفيل: قال ياقوت: مدينة ولاية خوارزم.
(٢) في المخطوط: ضيعتم هذا. والتصويب من العقد ٤/ ٢٤.
(٣) شنّح عليه: شنّع، وفي العقد: مبغض مكاشح.
(٤) هكذا في المخطوط: وفي العقد: وقال: هذا والله ما قال خالد.
(٥) يعني الحجّاج، وكأنّ بالخبر نقصا.

<<  <  ج: ص:  >  >>