للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بالبرّين الشرقيّ والغربيّ، وكان في هذا الحبس عدّة نواح بالجيزة وضواحي القاهرة، منها سفط ونهيا والأميريّة وغير ذلك، وأفرد له النطرون والخراج وما معه من ثمن القرظ، وساحل السنط (١) والمراكب الديوانيّة، وناحيتي إسنى وطنبذى (٢)، فاستخدم العادل في مباشرة ديوان الأسطول صفيّ الدين هذا، فاشتهر من حينئذ ذكره، وتخصّص بالملك العادل.

[[إكثاره من المصادرات]]

فلمّا قدّر الله تعالى بأنّ الملك العادل ملك ديار مصر في سنة ستّ وتسعين [٢٣٦ ب] وخمسمائة عظم قدر الصفيّ وولّاه الوزارة بعد الصنيعة ابن النحّال فحلّ عنده محلّ الوزراء الكبار والعلماء المشاورين، وباشر الوزارة بسطوة وجبروت وتعاظم، وصادر كتّاب الدولة واستصفى أموالهم ففرّ منه القاضي الأشرف أحمد ابن القاضي الفاضل عبد الرحيم (٣) بن عليّ إلى بغداد وتشفّع بالخليفة الناصر، وأحضر كتابه إلى الملك العادل بالشفاعة فيه. وهرب منه أيضا القاضي علم الدين إسماعيل بن أبي الحجّاج متولّي ديوان الجيش والأسعد ابن مماتي (٤) ناظر الديوان. وصادر بني حمدان وبني الجيّاب وبني الجليس وأكابر الكتّاب

من غير أن يعترض عليه السلطان في شيء ممّا يفعله. ومع ذلك كان يكثر من التجنّى والغضب على السلطان فيحتمله ولا يؤخذاه، إلى أن غضب عليه في سنة خمس وستّمائة، وكان العادل في رأس عين، لإنكار أنكره عليه السلطان.

وخرج فتبعه الملك المنصور صاحب حماة والأمير مجد الدين جهاركس وداروا عليه في بريد رأس عين حتى وجدوه وأتوا به فعفا عنه، ومن حينئذ انحطّت منزلته.

وكان المنصور كثير العناية به، وهو أوّل من مشى إليه من الملوك. ثم إنّه حرد [عليه] (١*) وحلف أنّه لا يباشر فلم تصر له السلطة على ذلك، وصرفه عن الوزارة يوم الاثنين لسبع بقين من ربيع الأول سنة تسع وستّمائة، وولّى الوزارة عوضا عنه القاضي الأعزّ مجد الدين مقدام بن أحمد بن شكر.

ثمّ أخرج الصفيّ من القاهرة بجميع أمواله وحرمه وغلمانه فخرج، و [كان] نقله على ثلاثين حملا، وشرع أعداؤه في إغراء السلطان به وزيّنوا له أن يأخذ ماله فلم يوافق على ذلك. وسار إلى آمد فأقام بها عند متملّكها الملك الصالح محمود بن محمد بن قرا أرسلان بن أرتق حتى مات العادل في سنة خمس عشرة وستّمائة.

[[رجوعه إلى الوزارة]]

فاستدعاه الملك الكامل محمد ابن العادل إلى القاهرة، فقدم عليه مستهلّ ذي القعدة منها وهو في نوبة دمياط على مقابلة الفرنج، وقد دعته الضرورة إلى ذلك بعد ما كان يعاديه في أيّام أبيه.

فخرج إلى لقائه بالمنزلة العادليّة وأكرمه، وشكا إليه ما دهمه من موت أبيه ومحاربة الفرنج


(١) القرظ: شجر يدبغ به. وساحل السنط لا ندري هل هو مكان أم هو شجر السنط وهو من الأشواك.
(٢) إسنا بالمدّ عادة. وطنبذة عند ياقوت.
(٣) أسرة القاضي الفاضل عريقة في الكتابة الديوانيّة والقضاء: أبوه القاضي الأشرف علي بن الحسن كان قاضي بيسان بفلسطين فنسبوا إليها. ثمّ هو: عبد الرحيم بن علي (ت ٥٩٦)، ثم ابنه القاضي الأشرف أيضا أحمد بن عبد الرحيم (ت ٦٤٣). الوفيات ٣/ ١٥٨ - الأعلام ٤/ ١٢١.
(٤) ابن مماتي: أسعد بن مهذّب بن مينا (ت ٦٠٦) - له ترجمة في المقفّى: رقم ٧٤٢. وانظر الوفيات ١/ ٢١٠.
(١*) حرد عليه (وزن فرح): غضب.

<<  <  ج: ص:  >  >>