للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

محمد بن عمير (١) بن عطارد بن حاجب بن زرارة، وحجّار بن أبجر بن بجير (٢) العجلي، فأقبل على محمد بن عمير فقال: يا محمد، يدعوك قتيبة بن مسلم إلى نصرتي يوم رستاق باذ، فتقول: هذا أمر لا ناقة لي فيه ولا جمل! لا جعل الله لك فيه ناقة ولا جملا! يا حرسيّ، خذ بيده وجرّد سيفك فاضرب عنقه!

فنظر الحجّاج إلى الحجّار وهو يبتسم فدخلته العصبيّة، وكان مكان حجّار من ربيعة كمكان محمد ابن عمير من مضر. وأتى الخبّاز بفرنيّة أو لبنيّة (٣)، فقال: اجعلها ممّا يلي محمّدا، فإنّ اللبن يعجبه.

يا حرسيّ، شمّر سيفك (يعني: أغمده) وانصرف!

وقال الحجّاج على المنبر: يزعمون أنّا من بقايا ثمود، والله يقول: وَثَمُودَ فَما أَبْقى [النجم: ٥١].

وقال يوما لأبي العسوس الطائي: أيّ أقدم، أنزول ثقيف الطائف أم نزول طيّى الجبلين؟

فقال أبو العسوس: إن كانت ثقيف من بكر بن هوازن، فنزول طيّ الجبلين قبلها. وإن كانت ثقيف من ثمود فهي أقدم.

فقال الحجّاج: يا أبا العسوس، اتّقني، فإنّي سريع الخطفة للأحمق المتهوّك!

فقال أبو العسوس [الطويل]:

يؤدّبني الحجّاج تأديب أهله ... فلو كنت من أولاد يوسف ما عدا

وإنّي لأخشى ضربة ثقفيّة ... يقدّ بها ممّن عصاه المقلّدا

على أنّني ممّا أحاذر آمن ... إذا قيل يوما: قد عتا المرء واعتدى

[[انتقامه من الموالي لخروجهم مع ابن الأشعث]]

ونظر الحجّاج بعد وقعة ابن الأشعث فإذا جلّ من خرج معه من الفقهاء وغيرهم من الموالي، فأحبّ أن يزيلهم عن موضع الفصاحة والآداب ويخلطهم بأهل القرى والأنباط، فقال: إنّما الموالي علوج، وإنّما أوتي بهم من القرى، فقراهم أولى بهم (٤).

فأمر بتسييرهم من الأمصار، وإقرار العرب بها، وأمر أن ينقش على يد كلّ إنسان منهم اسم قريته التي وجّهه إليها. وطالت ولاية الحجّاج فتوالد القوم هناك فخبثت لغات أولادهم وفسدت طباعهم.

فلمّا قام سليمان بن عبد الملك أخرج من كان في سجن الحجّاج من المظلومين، وكانوا [٣٣٧ أ] ثمانين ألفا، وردّ المنقوشين فرجعوا في صورة الأنباط، ففي ذلك يقول الراجز:

جارية لا تدري ما سوق الإبل ... أخرجها الحجّاج من كنّ وظلّ

لو كان بدر حاضرا وابن حمل ... ما نقشت كفّاك في جلد جلل (٥)

وقال شاعر لمّا استقضي أبو عصمة نوح بن درّاج على الكوفة [البسيط]:

يا أيّها الناس قد قامت قيامتكم ... إذ صار قاضيكم نوح بن درّاج (٦)


(١) محمد بن عمير، له ترجمة في لسان الميزان ٥/ ٣٣٠.
(٢) أبجر والد الحجّار مات بالكوفة على النصرانيّة.
(٣) قراءة تقريبيّة، والفرنيّة نوع من الهريسة، واللبنيّة حلوى من اللبن الحامض (دوزي).
(٤) العقد ٣/ ٤١٦.
(٥) في العقد ٣/ ٤١٧: لو كان شاهدا حذيف وحمل ...
كفّاك من غير جدل. وحذيفة وحمل ابنا بدر الفزاريّ.
(٦) العقد ٣/ ٤١٧: إنّ القيامة فيما أحسب اقتربت.

<<  <  ج: ص:  >  >>