ورزق منها ابنة زوّجها أحمد بن الحسين العقيقيّ.
وكان أبو زرعة كثير الشفقة رقيق القلب كثير الحلم، حيث إنّه كان يغرم عن الضعفاء وأهل الستر في النفقات والديون. وربّما أراد قوم نزهة (١) فيأخذ الواحد بيد الآخر فيطالبه بالشيء فيقرّ له ويبكي.
فيرحمه، ويزن عنه بعد أن يسأل خصمه فلا يجيبه.
وكان له جار سفيه بجوار داره بمصر- وكان مدمنا بشرب المسكر- وجاء ليلة وهو سكران، فجعل يقيء ويصيح، فقالت له زوجته: إيّاك أن يسمعك القاضي!
فقال لها: أنت طالق ثلاثا إن لم يغنّني القاضي في هذه الليلة!
فبكت المرأة وأولادها حتّى سمع جواري القاضي رجّتهم فاستخبروهم فحدّثوهم بما وقع، فمضت الجواري إلى القاضي وحدّثنه بذلك على طريق التعجّب، فقال لهم: افتحوا الباب وجيئوني به!
فلمّا وقف عليه قال له: ما حملك على ما قلت وحلفت عليه؟
فقال: الجهل، أعزّ الله القاضي.
فقال له القاضي: قد كان يقال:
ليس لل [ ... ] ... إنّما العهد للأنيس
نقض العهد ... [ ... ] العهد للأنيس؟
قد خرجت من يمينك. وو الله لولا الجوار لأرسلت بك إلى السلطان حتّى يؤدّبك. ولئن عدت لأقوّمنّك.
وذكر أبو بكر [محمد بن أحمد] بن الحدّاد عن منصور بن إسماعيل الفقيه أنّه سمعه يقول لأبي
زرعة: أعزّ الله القاضي، يجوز أن يكون السّفيه وكيلا؟
قال: لا.
قال: فأمينا؟
قال: لا.
قال: فقاض؟
قال: لا.
قال: فشاهد؟
قال: لا.
قال: فيكون خليفة؟
قال: يا أبا الحسن، هذه من مسائل الخوارج.
وقال أبو زرعة: كنت ببغداد في مجلس عبيد الله بن سليمان الوزير، فقال لي: يا أبا زرعة، بلغني أنّ القضاة والشهود بالشام يركبون الدوابّ بالخفاف بلا سراويلات؟
فأنكرت ذلك وقلت: هذا كذب، أيّد الله الوزير- وكنت بغير سراويل- فعاهدت الله إن سلمت وقمت من مجلسه أن لا أفعله أبدا وأن أعتق كذا وكذا مملوكا. فسهّل الله أن نهضت ولم يمتحنّي بالتفتيش.
وكان أبو زرعة أكولا يأكل [٨٨ أ] سلّة مشمش وسلّة خوخ وما أشبه ذلك.
وكان قد اختصّ بأبي الحسن علّان بن سليمان أحد الشهود بمصر، وقدّمه، وأودعه. وكان يقال:
إنّما ولي أبو زرعة القاضي القضاء لعلّان وحده.
٢٦٥٠ - أبو عليّ الصائغيّ [- ٣٤٤]
محمد بن عثمان بن إبراهيم، أبو عليّ، النسفيّ، الصائغيّ، نسبة إلى سكّة الصاغة بنسف.
رحل إلى العراق والحجاز ومصر. روى عن
(١) النزهة هنا: التفكّه والمغالطة والبهرجة، ولا نجد هذا المعنى في المادّة.