للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٣١٥٧ - الإمام أبو حامد الغزاليّ [٤٥٠ - ٥٠٥] (١)

محمد بن محمد بن محمد بن أحمد، الغزاليّ، أبو حامد، ابن أبي عبد الله، من أهل طوس.

كان والده رجلا صالحا مجتهدا في كسب الحلال من صناعته، ويطوف على المتفقّهة ويجالسهم ويتوفّر على خدمتهم، ويعطي محتاجهم بحسب وسعه، وإذا سمع كلامهم بكى، وتضرّع وسأل الله أن يرزقه ابنا ويجعله فقيها.

وكان يكثر حضور مجالس الوعظ، فإذا طاب وقته بكى وسأل الله أن يرزقه ابنا واعظا.

وكان والده من متوسّطي أرباب المهن، وكان يغزل الصوف ويبيعه في دكّان له بسوق الصوّافين بطوس. فلمّا حضرته الوفاة وصّى بولديه، أبي حامد هذا وأخيه أحمد، وبما عساه أن يخلّف لهما إلى صديق له متصوّف من أهل الديانة، وقال له:

ما كنت لأتأسّف على شيء من الدنيا كأسفي على الخطّ، وكيف لم يكن لي من يعلّمني. وقد استدركت بعض ما فاتني في نفسي من ذلك في هذين الصغيرين، وفي قلبي حسرة: كيف لم أعش حتى أكمل ذلك لهما! وأحبّ منك أن تتمّ لهما ما علّمتهما ولا عليك أن لا يبقى لهما شيء بعد تعلّمهما.

فلمّا قضى نحبه، أقبل المتصوّف على تعليمهما فآلى أن يحمل من الكتابة نصيبهما في ما كان خلّف أبوهما بحيث تعذّر عليهما ثمن قوتهما.

فقال لهما المتصوّف: اعلما أنّي أنفقت عليكما ما كان لكما. وأمّا أنا فرجل من الفقر والتجريد بحيث ليس لي مال فأواسيكما وأصلح حالكما.

[و] ما أرى لكما إلّا أن تلجئا إلى مدرسة بأنّكما تطلبان (٢) الفقه، عساه يحصل لكما مقدار قوتكما.- ففعلا، فكان ذلك سبب سعادتهما.

وكان الغزالي يحكي هذا ويقول: طلبنا العلم لغير الله فأبى أن يكون إلّا لله.

فقرأ أبو حامد طرفا من الفقه ببلده على أحمد الدادكاني، ثمّ سافر إلى جرجان يريد الإمام أبا نصر الإسماعيليّ. فأقام عنده وعلّق عنده التعليقة ثم عاد، فقطع عليه الطريق وأخذ العيّارون جميع ما معه ومع غيره ومضوا. فتبعهم فالتفت إليه مقدّمهم وقال: ارجع ويحك وإلا هلكت!

فقال له: أسألك بالذي ترجو السلامة منه أن تردّ عليّ تعليقتي من جميع ما أخذت منّي: فما هو شيء تنتفعون به.

فقال له: وما تعليقتك؟

فقال: كتب في تلك المخلاة هاجرت لسماعها وكتابتها ومعرفة علمها.

فضحك وقال: كيف تدّعي أنّك عرفت علمها، وقد أخذناها منك فتجرّدت من معرفتها وبقيت بلا علم؟

ثمّ أمر بعض أصحابه فسلّم إليه المخلاة. قال أبو حامد: فقلت: هذا مستنطق أنطقه الله تعالى ليرشدني به في أمري. فلمّا وافيت طوس أقبلت على الاشتغال ثلاث سنين حتى حفظت جميع ما علّقته، وصرت بحيث لو قطع عليّ الطريق لم أتجرّد من علمي.

ولازم أيضا أبا المعالي الجوينيّ بنيسابور، وجدّ واجتهد حتّى برع في المذهب [٤٣ ب] والخلاف، والأصولين، والجدل، والمنطق، وقرأ الحكمة والفلسفة، وفهم كلام أرباب هذه العلوم،


(١) الوافي ١/ ٢٧٤ (١٧٦)، وفيات ٤/ ٢١٦ (٥٨٨)، السبكي ٦/ ١٩١.
(٢) في المخطوط: طالبين.

<<  <  ج: ص:  >  >>