الخطرات، والنزوة بعد النزوات! إن بعثتكم إلى ثغوركم عللتم وخنتم، وإن أمنتم أرجفتم، وإن خفتم نافقتم. لا تذكرون حسنة ولا تشكرون نعمة.
هل استحقّكم ناكث أو استغواكم غاو، أو استنفركم عاص، أو استنصركم ظالم، أو استعضدكم خالع إلّا تبعتموه وواسيتموه ونصرتموه ورضيتموه. يا أهل العراق، هل شغب شاغب، أو نهب ناعب، أو زفر زافر، إلّا كنتم أتباعه وأنصاره؟
يا أهل العراق، ألم تنهكم المواعظ؟ ألم تزجركم الوقائع؟ (ثمّ التفت إلى أهل الشام فقال: ) يا أهل الشام، إنّما أنا لكم كالظليم الرامح عن فراخه ينفي عنها المدر، ويباعد عنها الحجر، ويكنّها من المطر، ويحميها من الضباب، ويحرسها من الذّئاب. يا أهل الشام، أنتم الجنّة والرداء، وأنتم العدّة والحذاء.
[[بعض أخباره]]
وخرج يوما فإذا هو بأعرابيّ في زرع، فقال له:
ممّن أنت؟
قال: من أهل عثمان.
قال: فمن أيّ القبائل؟
قال: من الأزد.
قال: كيف علمك بالزرع.
قال: إنّي لأعلم من ذلك علما.
قال: فأيّ الزرع خير؟
قال: ما غلظ قصبه واعتمّ نبته، وعظمت حبّته.
قال: فأيّ العنب خير؟
قال: ما غلظ عموده واخضرّ عوده وعظم عنقوده.
قال: فما خير التمر؟
قال: ما غلظ لحاؤه، ودقّ نواؤه، ورقّ سماؤه.
*** وقال لرجل من الخوارج: أجمعت القرآن؟
قال: أمتفرّقا كان فأجمعه؟
قال: أتقرؤه ظاهرا؟
قال: بل أقرؤه وأنا انظر إليه.
قال: أتحفظه؟
قال: أخشيت فراره فأحفظه؟
قال: ما تقول في أمير المؤمنين عبد الملك؟
قال: لعنة الله ولعنك معه!
قال: إنّك مقتول، فكيف تلقى الله؟
قال: ألقاه بعملي، وتلقاه بدمي.
*** وقال مالك بن دينار: غدوت إلى الجمعة فجلست قريبا من المنبر، فصعد الحجّاج المنبر، ثمّ قال: امرءا زوّر عمله، امرءا حاسب نفسه، امرءا فكّر فيما يقرؤه في صحيفته ويراه في ميزانه.
امرءا كان عند قلبه زاجرا وعند همّه ذاكرا، امرءا أخذ بعنان عمله كما يأخذ الرجل بخطام جمله.
فإن قاده إلى طاعة الله تبعه، وإن قاده إلى معصية الله كفّه.
وقال الحجّاج لمعلّم ولده: علّم ولدي السّباحة قبل الكتابة، فإنّهم يصيبون من يكتب عنهم، ولا يصيبون من يسبح عنهم.
*** وقال لابن القريّة: ما زالت الحكماء تكره المزاح وتنهى عنه.
فقال: المزاح من أدنى منزلته إلى أقصاها عشرة أبواب: أوّله فرح وآخره ترح، والمراح والمزاح نقائض السفهاء كما الشعر نقائض الشعراء.
والمزاح يوغر صدر الصديق، وينفّر الرفيق عن الرفيق. والمزاح يبدي السرائر لأنّه يظهر المغاير، والمزاح يسقط المروءة ويبدي الخنا، لم يجرّ