بغداد ليأخذها، فإنّها [٢٦٥ ب] خالية من العساكر وأهلها قد بعثوا إليه كتبهم يطلبونه. وسار عنهم في طائفة وسلك البرّ حتّى نزل بالدالية وهي قرية من عمل الفرات، فقبض عليه وحمل إلى المكتفي بالرقّة. وقدم محمّد بن سليمان بالجيوش إلى الرقّة بعد أن تتبّع القرامطة وقتل وأسر منهم بشرا كثيرا فخلّفه المكتفي على العساكر وعاد في خاصّته وغلمانه من الرقّة إلى بغداد، وتبعه وزيره القاسم بن عبيد الله. وحمل القرمطيّ ومن أسر في الوقعة أوّل يوم من صفر، فدخل بغداد وشهّرهم.
ثمّ وصل محمّد بن سليمان في الجيش وقد تلقّط بقايا القرامطة من كلّ وجه، فنزل خارج بغداد ليلة الخميس ثاني عشر ربيع الأوّل. وأمر المكتفي القوّاد وأصحاب الشرط بتلقّيه والدخول معه. فدخل في زيّ حسن، ومعه وبين يديه نيف وسبعون أسيرا، وأتته الخلع فلبسها، وطوّق بطوق من ذهب وسوّر سوارين من ذهب، وخلع على جميع من كان معه من القوّاد، وطوّقوا وسوّروا.
فلمّا كان يوم الاثنين لأربع بقين من ربيع الأوّل المذكور أمر المكتفي القوّاد وجميع الغلمان وصاحب جيشه محمّد بن سليمان وصاحب شرطته أن يحضروا قتل القرامطة، فقتلوا.
[تدخّله في مصر]
وكان قوّاد مصر وكبارها قد كثر تنافسهم وتحاسدهم، وأميرهم يومئذ هارون بن خمارويه بن أحمد بن طولون. فكتب بدر الحمّامي وفائق، غلاما أبي الجيش خمارويه، وهما أعظم قوّاد مصر، وكانا قد خرجا منها بالعساكر لقتال القرمطيّ بالشام، وولي بدر إمارة دمشق، [كتبا] إلى محمّد بن سليمان وهو سائر إلى بغداد بعد هزيمة القرمطيّ يطلبان منه أنّه إذا وصل إلى بغداد وقضى ما يريده أن يسأل أمير المؤمنين المكتفي بالله في أن يردّ معه الجيش، ووعداه بانتظاره والمسير معه حتّى يسلّماه مصر، فأعجبه ذلك. وعند ما انقضى أمر القرمطيّ دخل على المكتفي وعرض عليه ما أشار به غلاما أبي الجيش، فأذن له في ذلك وأمر بعرض رجاله وإطلاق الأرزاق لهم وإزاحة عللهم، وخلع عليه وعلى القوّاد الذين كانوا معه، وهم محمّد بن إسحاق بن كنداج، والحسين بن حمدان، وأحمد وإبراهيم ابنا كيغلغ، وأبو الأغرّ [خليفة بن المبارك] السلميّ، ووصيف بن [ ... ]، وبندقة بن كمشجور، وأمرهم بالسمع والطاعة لمحمّد بن سليمان. فساروا من بغداد لأيّام من شهر رجب في عشرة آلاف مقاتل. وكتب إلى دميانة أمير البحر أن يتجهّز بمراكبه إلى مصر، وأن يأتمر بأمر محمّد بن سليمان، فلمّا قرب محمّد بن سليمان بجيوشه من دمشق تلقّاه بدر وفائق بعساكرهما وساروا [٢٦٦ أ] جميعا إلى مصر. فبلغ ذلك هارون بن خمارويه، فأخرج مضاربه وتأهّب للقتال، وسار إلى العبّاسة يريد الشام ومعه العساكر، فأقام بها أيّاما.
[دخوله الفسطاط وتنكيله بالطولونيّة]
ونزل محمّد بن سليمان إلى فلسطين، وعليها وصيف بن صوارتكين من قبل هارون، فدخل في طاعته. وتواترت كتب بدر وفائق إلى قوّاد مصر ووجوه الفرسان يدعو [ان] هم إلى الدخول في الطاعة وترك المحاربة. فما منهم إلّا من أجاب إلى ذلك ورغب فيه، فاتّفق مع ذلك قتل هارون وقيام شيبان (١) بن أحمد بن طولون بعده بأمر مصر.
فعاد العساكر من العبّاسة إلى مصر، ولحق محمّد بن أبا ونجح الروميّ في طائفة بمحمّد بن سليمان. وسار الحسين بن حمدان، وكان على