للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فلقي الناصر بغزّة، وقدم معه إلى مصر في شوّال، فلم يمهله إلّا قليلا، وقبض عليه في ذي الحجّة منها، وقبض معه على الأمير علاء الدين مغلطاي القازاني- وكان قد توجّه معه إلى السلطان من مصر.

فلمّا قدم الأمير مهنّا في سنة عشر وسبعمائة إلى مصر، حدّث السلطان في الإفراج عنه (١)، فلم يجبه. وألحّ مهنّا إلى أن وعده بتخلية سبيله بعد شهر. وأجرى له راتبا، [٢٩٧ ب] ومكّن خدمه وجواريه من العبور إليه، فرضي مهنّا بذلك وسار عائدا إلى بلاده.

[ف] أخرج [السلطان حينئذ] من كان عنده، ومنعه الأكل والشرب أيّاما حتى يبست أعضاؤه وخرس لسانه وعجز عن الحركة. ثم قتل ليلة الأربعاء ثاني شهر رجب سنة إحدى عشرة وسبعمائة، ودفن بزاوية الجعبريّ في سابع رجب.

ورأى من السعادة وكثرة المال ما لا يمكن حصره. وكان كريما يضرب ببيته المثل في كثرة الخير والحرمة وسعة العطاء. وكان يرى في نفسه أنّه أكبر من بيبرس وسلّار. فلمّا أراد السلطان قتله استدعى الأمير أيتمش المحمّدي وأمره أن يمضي إليه، فإن وجده ميتا دفنه، وإلّا قتله، فإنّالطواشي الموكّل به أخبر أنّه أشرف على الموت، فقبّل أيتمش الأرض وسأل أن يعفى من ذلك. فأعفاه لما يعلمه من تديّنه، واستدعى الأمير بدرجك وتقدّم إليه بذلك. فمضى إليه فإذا به قد خرس لسانه ويبست أعضاؤه واحترقت آماق عينيه، وهو جالس. فحاول أن يقوم لدخول بدرجك فلم يجد معه قوّة تنهض به، وحاول ذلك بجهده حتى قام،

ثم سقط، وصار يشير إليه بيده، ولم يقدر على الكلام من الجوع. فرقّ له بدرجك وبكى رحمة له، وخرج وهو يقول في نفسه: والله لا خلّيت هذا في صحيفتي أبدا.

وأسرّ بما رآه للسلطان فسبّه سبّا فاحشا، وقد اشتدّ حنقه منه، وأخذ ينخسه في رقبته بالنمجاة، ثمّ طرده وأبعده. وطلب الأمير قجليس وأمره بما تقدّم فخنقه. ووجد في المخدّة التي [٢٤٥ ب] كانت عنده أثر فمه فيها ممّا يكدمها (٢) من الجوع.

٩١٨ - برلغي الصغير [- ٧٤٩] (٣)

[٢٩٧ ب] برلغي الصغير، الأمير سيف الدين، قريب الملك الناصر محمد بن قلاوون [لأمّه].

قدم إلى مصر سنة أربع وسبعمائة، وترقّى حتى صار من جملة الأمراء. ثم تنكّر عليه وسجنه من سنة اثنتي عشرة إلى رجب سنة خمس وعشرين مدّة ثلاث عشرة سنة، ثمّ أفرج عنه.

وذلك أنّه كان زوج ابنة المظفّر بيبرس (٤). ثمّ قبض عليه وأفرج عنه. وكان لا يدعه في راحة، إمّا يجرّده أو يقبض عليه ويسجنه. فكانت مدّة حبسه عشرين سنة متفرّقة.

فلمّا مات السلطان لم يزل منغّصا. ثم أنعم عليه بإمرة مائة فلم يقم غير أيام، ومات في طاعون سنة تسع وأربعين وسبعمائة (٥).


(١) شفاعة مهنّأ الطائي أمير العرب في برلغي فصّلها الصفدي في ترجمته: أعيان العصر ٥/ ٤٦٥.
(٢) كدم بوزن نصر وضرب: عضّ.
(٣) الدرر ١/ ٤٧٧ (١٢٨٧)، النجوم ١٠/ ٢٨٦.
(٤) هذا أيضا تزوّج بنت بيبرس، فهل التبس بالأشرفيّ، لا سيّما وأنّ ابن حجر لم يذكر الزواج. ولقبه الصغير يميّزه عن برلغي الكبير الأشرفيّ، كما يسمّيه الصفدي في الأعيان ٥/ ٤٦٥.
(٥) في الدرر: وهو الذي غزا سيس وقتل صاحبها هيشوم سنة ٧٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>