قال: وأراني أنا الملك النائم؟ صدق الله قائل هذا الشعر. فو الله لو عرفته لوصلته لصدقه! رجل مملق ولّيته بيت المال لتعسّر رزقه منذ سنين، من أين لابنه هذا المال؟ - ثمّ قال: يا ايتاخ، قيّد صاحب بيت المال وابنه حتى نأخذ منهما مائتي ألف دينار!
وولّى بيت المال غيره.
[[شعر المعتم]]
وقال يزيد بن محمد المهلّبيّ: قال لي محمد بن عمرو الروميّ: لله درّ المعتصم! ما كان أعقله من رجل! كان له غلام يقال له «عجيب» لم ير الناس مثله قطّ، وكان مشغوفا به، فحارب بين يديه يوما فحسن بلاؤه فدعاني المعتصم فقال: يا محمّد، جليس الرجل صديقه وذو نصحه وموضع أنسه، ولي عليك حقّ الرئاسة والإحسان.
فاصدقني عمّا أسألك عنه!
فقلت: لعن الله من [لا] يقيم نفسه إلّا مقام العبد الناصح الذي يرى فرضا عليه أن يضيف كلّ حسن إليك وينفي كلّ عيب عنك!
قال: قد علمت أنّي دون إخوتي في الأدب لحبّ أمير المؤمنين الرشيد فيّ وميلي إلى اللعب وأنا حدث، فما أبالي ما قالوا. وقد قاتل عجيب بين يديّ وأنت تعلم وجدي به، وقد جاش طبعي بشيء قلته، فإن كان مثله يجوز فاصدقني حتى أذيعه، وإلّا طويته.
فقلت: والله لا جزت ما أمرت.
فأنشدني [المجتثّ]:
لقد رأيت عجيبا ... يحكي الغزال الربيبا
الوجه منه كبدر ... والقدّ يحكي القضيبا
وإن تناول سيفا ... رأيت ليثا حريبا
وإن رمى بسهام ... كان المجدّ المصيبا
طبيب ما بي من الح ... بّ ما عدمت الطبيبا
إنّي هويت عجيبا ... هوى أراه عجيبا
فحلفت بأيمان البيعة أنّه شعر مليح من أشعار الخلفاء الذين ليسوا بشعراء، فطابت نفسه. وقلت له: يحتاج إلى لحن فيه [١٨٧ أ]، فقال: ما أحبّ ذلك لئلّا يمرّ ذكر عجيب.
فقلت: فلا نذكر البيتين الذين فيهما ذكر عجيب.
قال: أمّا ذلك [ف] نعم.
فغنّى به مخارق، ووصلني بخمسين ألفا.
وأنشد محمد بن خلف بن المرزبان للمعتصم [الطويل]:
أيا منشئ الموتى أعذني من التي ... بها نهكت نفسي سقاما وعلّت
لقد بخلت حتى لو انّي سألتها ... قذى العين من سافي التراب لضنّت
فإن بخلت فالبخل منها سجيّة ... وإن بذلت أعطت قليلا ومنّت
وقوله [الرمل]:
قرّب [النحّام] واعجل يا غلام ... واطرح السرج عليه واللجام
أعلم الأتراك أنّي خائض ... لجّة الموت فمن شاء أقام
وقوله- وقيل لغيره-[الرمل]: