نواصل نشر كتاب المقفّى للمقريزي بهذا الجزء السادس الذي يشمل مادّة المجلّد الثاني من القسم المحفوظ بمكتبة جامعة ليدن.
وهو كالأجزاء الخمسة السالفة وكالجزء المتبقّي يتضمّن تراجم متنوّعة متفاوتة، من حيث مشارب المترجمين وأزمانهم وأصقاعهم. فلئن غلب الأعلام المصريّون- وهذا أمر طبيعيّ في قاموس خصّصه المؤلّف لرجال مصر أساسا- ففيه أيضا المغاربة كابن رشيد السبتي (ترجمه رقم ٢٩٢٣)، ومحمد بن سحنون (رقم ٢٤٧٩)، والأندلسيّون كابني العربي أبي بكر (رقم ٢٥٥٣) ومحيي الدين (رقم ٢٨٣٠)، وفيه الشوام كابن فضل الله العمريّ وابن شدّاد مؤرّخ حلب، وفيه البغداديّ والحجازيّ والكرديّ والأرمنيّ. ولئن كثر فيه رجال الدين من رواة حديث وفقهاء وقضاة وأئمة- ولا ننس أنّ المقريزيّ حدّث أيضا وتفقّه وتولّى القضاء والحسبة- ففيه المؤرّخ والأديب والأمير وقائد العسكر وحتى ماني الموسوس (الترجمة الأخيرة)!
وفي هذا الجزء أيضا تتفاوت التراجم قصرا وطولا. فمن أطولها ترجمة محمد بن الحنفيّة وترجمة القائم العبيديّ الفاطميّ، ولكن لا نسمح لأنفسنا بأن نعزو هذا الاسترسال فيهما إلى انتماء شيعيّ من المقريزيّ كما قيل. فقد رأيناه يطنب في ترجمة ابن تيميّة، ولم يكن حنبليا، ويتبسّط في تراجم الصوفيّين كإبراهيم بن أدهم وأبي عبد الله القرشيّ والحرّار الأندلسيّ، ولم يكن هو من لابسي الخرقة.
وسيسهب في ترجمة الناصر ابن قلاوون كما أسهب في ترجمة سيّدنا إبراهيم الخليل وطوطيس الفرعونيّ.
وإنّما الأمر أبسط من هذا: المقريزيّ بحّاثة نقّالة جمّاعة يخزن المعلومات في «جذاذاته» فتتراكم فيودعها مسوّداته في ترتيب تقريبيّ أوّليّ، على أمل التنسيق والتهذيب والتشذيب عند التبييض، ولكنّ المقادير كما نعلم لم تسمح له بالتبييض ولا حتى بإكمال الكتاب. والمادّة نفسها التي يعثر عليها قد تغزر وقد تنزر، فيصيبنا الملل لدى بعض التراجم، ونتشوّق إلى المزيد عند تراجم أخرى كترجمة الكتيلة الجنكيّ (رقم ٣٠٠٨) الذي وددنا أن نعرف شيئا عن موسيقاه وآلة الجنك التي نسب إليها. وربّما كنّا نتوقّع مزيدا من التدخّل الشخصيّ من المؤلّف- أي حكما تقييميّا- في تراجم المؤرّخين المصريّين السابقين له كالمسبّحيّ (رقم ٢٦٣٢) وابن ميسّر (رقم ٢٨٦٤)، فنعرف رأيه في منهجهم وطريقتهم، ولكنّه يقتضب، والاقتضاب هنا لا يبرّر بحجاب المعاصرة. وحتّى المعاصرون له كابن الفرات (رقم