للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بقيّة، قال أبو زنبور: أيّها الوزير، على من أعود؟

إن كنت عامل أمانة فاقبلوا قولي فيما أقوله. وإن كنت عامل ضمان فاحسبوا [٤٣٥ ب] بالرفق! اللهمّ إلّا أن يكون الذي قلّدني خان في تقليده؟

فكان يقول: غلطت ببغداد غلطتين نجّى الله منهما، وذلك أنّي كنت في دعوة فقلت: مصر ليس مثلها: أوّل ما يلي الوالي خراجها يدخل إليه من النواحي خمسمائة ماروت (١) عليهم جباب الصوف والمناديل المعلّمة- وهو زيّهم- في جيب كلّ واحد منهم كيس فيه ألف دينار هديّة- فحفظ هذا بعض الحاضرين وحكاه، فكان أحد ما خوطبت عليه، وقيل لي: نريد هذا لولاية واحدة:

خمسمائة ألف دينار.

فضحكت وقلت: هذا يحكى قديما في أيّام الفراعنة، في الوقت الذي كانت مصر تعقد أربعة وعشرين ألف ألف دينار والناس ينصفون، والمعاملون يوفّى لهم، والتقوية غير محتسب بها على الزارعين. فأمّا اليوم أو من مائتي سنة فلم يدخل ماروت بدرهم واحد.

وأمّا الغلط الثاني، فإنّ عليّ بن محمد بن الفرات لمّا قبض عليه وتقلّد علي بن عيسى بن الجرّاح قال لي: بحقّي عليك، هل لابن الفرات عليك استثناء؟

فقلت: لا.

فقال: بحياتي، بحياة رأسي.

فقلت: نعم، مائة وخمسون ألف دينار في كلّ سنة (٢).

فلمّا جلس علي بن عيسى لمناظرة ابن الفرات، قال له: ومن جهة الحسين بن أحمد عامل مصر:

مائة وخمسون ألف دينار في كلّ سنة!

فقال ابن الفرات: من ذكر هذا؟

قالوا: الحسين بن أحمد.

فقال: حتّى أسمع كلامه.

فأحضرت. واحتشمت من علي بن عيسى، فقلت: نعم، مائة وخمسون ألف دينار كنت أحملها إليه أيّده الله.

فقال ابن الفرات: أحضروا دفاتر النفقات.

فأحضرت، فرآها وقال: صدق فيما قال، وهذه نفقتها والاحتساب بها لي ما نظرت سنين (٣). فإن كان حملها إلى أبي الحسن فيجيب عن هذا، وإن لم يكن حملها إليه فليطالب بها.

فانعكس الكلام على أبي زنبور، ولولا أنّ علي بن عيسى عمل هذا، لكان ألزم بالمبلغ. إلّا أنّ الوزير احتاج إلى نصرة أبي زنبور حتى يخلص.

[[خلاصه من الوزير ابن الفرات]]

ثمّ إنّ أبا زنبور أشخص بحضرة أمير المؤمنين المقتدر بالله، فلمّا مثل بين يديه ومعه ابن أخيه أبو بكر محمد بن علي، قبّلا الأرض، وكان قد أعيد أبو الحسن علي [بن محمد] بن الفرات إلى الوزارة، وهو واقف، فقال لهما: إنّ أمير المؤمنين أيّده الله تقدّم بالعناية بكما، وأن تكونا في موضع تأمنان فيه على أنفسكما. فأين تختاران؟

فقال أبو زنبور: عند أبي أحمد.

فقال: من أبو أحمد؟


(١) ماروت وهاروت ساحران معروفان، ولعلّها مصطلح مصريّ.
(٢) انظر مسكويه: تجارب الأمم ١/ ٦٢ في حوادث سنة ٣٠٦.
(٣) هذه المحاسبة لا تخلو من غموض.

<<  <  ج: ص:  >  >>