للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فلمّا سافر السلطان في المحرّم سنة ثمان وثمانين وستّمائة لأخذ طرابلس [٤٣٩ أ] من الفرنج، استخلفه على مصر وجعل معه الأمير الوزير بدر الدين بيدرا إلى أن عاد.

[تولّيه السلطنة بعد قلاوون (سنة ٦٨٩)]

فلمّا مات أبوه الملك المنصور جلس بعده على تخت الملك بقلعة الجبل في يوم الأحد سابع شوّال سنة تسع وثمانين وستّمائة، ولم يختلف أحدعليه. وحلف له الأمراء وأهل الدولة في يوم الاثنين ثامنه، وخطب له على منابر مصر في يوم الجمعة ثاني عشرة. فطلب من القاضي فتح الدين ابن عبد الظاهر كاتب السرّ تقليده بولاية العهد.

فأحضره إليه مكتوبا وليست عليه علامة السلطان.

وكان قد طلبه الأشرف في حياة أبيه مرارا، وابن عبد الظاهر يقدّمه إليه، ويأبى أن يكتب عليه علامته. فلمّا تكرّر تقديمه للعلامة ردّه وقال: يا فتح الدين، أنا [ما] (١) أولّي خليلا على المسلمين!

وبلغ ذلك الأشرف. فلمّا أحضر إليه ابن عبد الظاهر تقليد العهد ورآه بغير علامة، قال: يا فتح الدين، إنّ السلطان امتنع من أن يعطيني، فقد أعطاني الله وألقى إليّ التقليد!

ثمّ خلع على سائر الأمراء وجميع أهل الدولة.

وركب من قلعة الجبل بشعار السلطنة في يوم الجمعة المذكور، وسيّر بالميدان الأسود (٢) تحت القلعة على العادة وعاد سريعا: فقد بلغه أنّ طرنطاي (٣) النائب يريد الفتك به. فعند ما استقرّ

بالقلعة استدعى طرنطاي وقبض عليه. ثمّ قبض على سنقر الأشقر وجرمك الناصريّ، وكانا أكبر أمراء دولة أبيه.

[فتح عكّا (جمادى ٦٩٠)]

وتجرّد للغزو فندب العساكر من البلاد الشاميّة للجهاد وكتب إليهم بتجهيز الزردخاناه وأعواد المجانيق والحجّارين. وخرج الأمير أيبك الأفرم لذلك فجهّز أعواد المجانيق من دمشق حتى كمل في ثاني عشر ربيع الأوّل وسيّرها مع الأمير علم الدين سنجر الدواداريّ. وخرج الأمير لاجين نائب دمشق بعساكرها، وقدم صاحب حماة ونوّاب الممالك. وبرز السلطان من قلعة الجبل في يوم الثلاثاء ثالث ربيع الأوّل سنة تسعين وستّمائة، وسار بعساكر مصر، وقدّم حريمه إلى دمشق.

فوصل إلى عكّا في يوم الخميس ثالث ربيع الآخر. وقدمت عليه المجانيق يوم الجمعة وعدّتها اثنان وتسعون منجنيقا، فتكامل نصبها وأقيمت الستائر في أربعة أيّام.

وكان الفرنج قد استنصروا بأهل الجزائر فقدمت إليهم جموع كثيرة، وأغلقوا أبواب عكّا.

فوقع الحصار وعملت النقوب إلى يوم الجمعة سابع عشر جمادى الأولى. فركب السلطان ورتّب الكوسات على ثلاثمائة جمل وأمر أن تضرب جملة واحدة. وزحف بعساكر المسلمين عند طلوع الشمس ودقّت الكوسات فارتجّت الأرض وهال الفرنج ما سمعوه من ضرب الكوسات ومشاهدة الكماة. وأنزل الله نصره على المؤمنين، فلم ترتفع الشمس حتى علت الصناجق السلطانيّة على أسوار عكّا، وانهزم الفرنج إلى المراكب بالبحر، فهلك منهم في الزحام خلق كثير، والمسلمون تقتل وتأسر وتنهب وتسبي النساء والأولاد، فقتل وأسر وسبي ما لا يحصى كثرة.


(١) الزيادة من السلوك ١/ ٧٥٦.
(٢) قال في الخطط، ٤/ ٣٤٨: ما بين قلعة الجبل إلى قبّة النصر تحت الجبل الأحمر، وقال ٣/ ٢٣٦، وكان يعرف بميدان القبق.
(٣) تبسّط المقريزيّ في ترجمة طرنطاي في الخطط، ٤/ ٢٢٨.-

<<  <  ج: ص:  >  >>