للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أحمد بن طولون، فقال لمحبوب على جهة المداعبة [المقتضب]:

فاح ريح الحماحم ... من سراويل قاسم

يعرّض بأنّ أمّ محبوب اسمها قاسم، وذهب عنه أنّ اسم أمّ أحمد بن طولون قاسم أيضا، فقال له محبوب لينبّه عليه أحمد بن طولون، تذكر أمّي وقد كانت حصانا، أو تقول فيها هذا؟ إنّما المنكر أن يكون الوزير أخيف (١) أو أزرق أو أعور- وكانت إحدى عينيّ الحسن زرقاء والأخرى سوداء- فهذا مشئوم في الدوابّ، فكيف في [٥١٩ ب] الوزراء؟

فأحفظ ابن طولون قول الحسن بن مخلد وخبّأ ذلك له. فلمّا كان بعد أيّام أحضره أحمد بن طولون لمنادمته على الرسم. فغنّى- وقد سكر- بالنبطيّة وصفّق بيديه، ثمّ زاد عليه السكر وملكه فقال [الهزج]:

أيا ويحك كم تصعد ... لقد جزت مدى الفرقد

فلو زلّت بك النّعلا ... ن لاستوبأت ما تحمد (٢)

فاغتاظ أحمد بن طولون غيظا شديدا، وأمر به فجرّ برجله إلى الحبس، فما زال محبوسا حتى خرج أحمد بن طولون إلى الشام، فحمله مقيّدا معه، فمات في الطريق، فدفن في قصر عيسى بن شيخ بالخشاشي (٣).

[[بعض مناقبه]]

وكان الحسن بن مخلد يحبّ الأدب وأهله ويصلهم. ولم يكن له حظّ جزيل فيه كحظّه في علم الخراج ومعرفة الضياع والإقطاع، لأنّه لم يطلبه صغيرا وإنّما أحبّه حين اتّصل بإبراهيم بن العبّاس الصوليّ فرأى أدبه وعلمه. فكانت شهوته له أكثر من حظّه منه.

وكان أجلّ الناس لباسا وطيبا ومركوبا ومنزلا وآلة وغلمانا ودارا. وكان خدمه يركبون إلى الميدان في يوم الجمعة بالجنائب الكثيرة، والغلمان الدونة (٤) في الوشي والديباج المنسوج بالذهب. وكان في داره من الفرش المعلّقة والمبسوط ما قيمته مائة ألف دينار. وكان يعاتب في ذلك، فيقول: أمر أمثالنا يجيء جملة، فلم لم نتعجّل باللذّة ونبادر الفرصة ونتمتّع بصفو الزمان قبل كدره؟

وكان يقال: ما لا يعلمه الحسن بن مخلد من الخراج، فليس هو في الدنيا.

وكان عظيم الجسم، مهيب المنظر، قويّ الحجّة، شديد المعارضة، لا يقدّم في وقته أحد عليه ولا يقاس به. ومن شعره [المخلّع]:

من صادر الناس صادروه ... وأعنتوه وماكروه [٣٧٧ أ]

وجاحدوه الحقوق بهتا ... وبالأباطيل ناظروه

بمثل ما راح من قبيح ... أو حسن منه باكروه


- عيسى سنة ٢٦٩ (دول الإسلام، ١٦٣، والخطط ١/ ٨١٥).
(١) الأخيف من اختلف لون عينيه.
(٢) استوبأ الطعام: كرهه واستثقلته معدته، والقراءة بعد ظنّيّة.
(٣) هكذا في المخطوط، ولم نهتد إلى هذا المكان. ولعلّه تحريف للشيبانيّ وهي نسبة [أحمد بن] عيسى بن الشّيخ الثائر على أحمد بن طولون في سنة ٢٥٦. ومات
(٤) لم نهتد إلى الغلمان الدونة، وقد علّم عليها المقريزي بعلامة تثبيت كأنّه يلفت إليها الانتباه.

<<  <  ج: ص:  >  >>