للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والحسين جالس أمام بيته محتبيا. فنظر إليهم قد أقبلوا، فقال لأخيه العبّاس بن علي بن أبي طالب:

[قم] إليهم فسلهم ما بدا لهم.

فسألهم فقالوا: أتانا كتاب الأمير يأمرنا أن نعرض عليك أن تنزل على حكمه أو نناجزك.

قال: انصرفوا عنّا العشيّة حتى ننظر ليلتنا هذه في ما عرضتم.

فانصرف عمر. وجمع الحسين أصحابه في ليلة عاشوراء ليلة الجمعة، فحمد الله وأثنى عليه وذكر النبيّ صلّى الله عليه وسلم وما أكرمه الله به من النبوّة وما أنعم به على أمّته، وقال: إنّي لا أحسب القوم إلّا مقاتليكم غدا. وقد أذنت لكم جميعا فأنتم في حلّ منّي. وهذا الليل قد غشيكم فمن كانت له منكم قوّة فليضمّ رجلا من أهل بيتي، وتفرّقوا في سوادكم حتى يَأْتِيَ [الله] بالفتح أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ (المائدة: ٥٢). فإنّ القوم إنّما يطلبونني، فإذا رأوني لهوا عن طلبكم.

فقال أهل بيته: لا أبقانا الله بعدك! لا والله لا نفارقك حتى يصيبنا ما أصابك، - وكذلك قال أصحابه. فقال: أثابكم الله على ما تنوون، الجنّة.

وأتاه رجل من الأنصار فقال: عليّ دين.

فقال: لا يقاتل معي من عليه دين!

وقيل لمحمّد بن بشر الحضرميّ: قد أسر ابنك بثغر الريّ.

قال: عند الله أحتسبه ونفسي، ما كنت أحبّ أن يؤسر ولا أن أبقى بعده.

فسمع قوله الحسين، فقال له: رحمك الله، أنت في حلّ من بيعتي. فاعمل في فكاك ابنك.

قال: أكلتني السّباع حيّا إن فارقتك!

قال: فأعط ابنك هذه الأثواب البرود يستعين بها في فداء أخيه- وأعطاه خمسة أثواب قيمتها ألف دينار.

[[استعداد الحسين للقتال]]

فلمّا أصبح الحسين يومه الذي قتل فيه رضي الله عنه، قال: اللهمّ، أنت ثقتي في كلّ كرب، ورجائي في كلّ شدّة وأنت لي في كلّ أمر نزل بي ثقة وعدّة، وأنت وليّ كلّ نعمة وصاحب كلّ حسنة.

ثمّ قال الحسين لعمر بن سعد وأصحابه: لا تعجلوا حتّى أخبركم خبري: والله ما أتيتكم حتى أتتني كتب منكم (١) بأنّ السنّة قد أميتت، والنفاق قد نجم، والحدود قد عطّلت، فاقدم لعلّ الله تبارك وتعالى يصلح بك أمّة محمد صلّى الله عليه وسلم.

[فانسبوني فانظروا من أنا] (٢) وارجعوا إلى أنفسكم فانظروا هل يصلح لكم قتلي ويحلّ لكم دمي.

ألست ابن بنت نبيّكم وابن ابن عمّه وابن أوّل المؤمنين إيمانا؟ أو ليس حمزة والعبّاس وجعفر بعمومتي؟ أولم يبلغكم قول رسول الله صلّى الله عليه وسلم فيّ وفي أخي: هذان سيّدا شباب أهل الجنّة؟ فإن صدّقتموني، وإلّا فاسألوا جابر بن عبد الله وأبا سعيد الخدري، وأنس بن مالك، وزيد بن الأرقم.

فقال شمر بن ذي الجوشن: هو يعبد الله على حرف إن كان يدري ما يقول.

وأقبل الحرّ بن يزيد أحد بني رياح بن يربوع على عمر بن سعد، فقال: أمقاتل أنت هذا الرجل؟

فقال: نعم.

[فقال]: أما لكم في واحدة من هذه الخصال التي عرض رضى [٤٠١ أ]؟

قال: لو كان الأمر إليّ لفعلت.

فقال: سبحان الله! ما أعظم هذا! أن يعرض ابن بنت رسول الله عليكم ما يعرض فتأبونه.


(١) قراءة ظنّيّة.
(٢) كلام مطموس، والتعويض من الطبريّ، ٥/ ٤٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>