وولد أحمد بسامرّاء في ثالث عشرين شهر رمضان سنة عشرين ومائتين.
وأمّه أمّ ولد اسمها قاسم. ويقال إنّ طولون تبنّاه، ولم يكن ابنه.
ظهرت النجابة فيه من صغره وصار له بأهل الحاجات عناية، فكان أبدا يسأل طولون فيهم فيعجب بذلك منه، حتّى دخل عليه يوما فقال له:
ما لك؟
قال: بالباب قوم ضعفاء، لو كتبت لهم بشيء؟
فقال: امض إلى موضع كذا فهناك قرطاس فائتني به حتّى أكتب لهم ما رغبت فيه.
فنهض فإذا في طريقه حظيّة لطولون قد خلا بها خادم. فسكت وأخذ حاجته وانصرف إليه، فكتب له وخرج. فخافت الحظيّة من أحمد، فأتت إلى طولون وقالت إنّ أحمد قد راودها عن نفسها.
فصدّقها، وكتب كتابا إلى بعض خدمه بأن يقتل حامل الكتاب، ودفعه إلى أحمد.
فخرج به أحمد مسرعا، والحظيّة تنظره.
فدعت به، ولم يشعر بما كاتبه به. فقال: أنا مشغول بحاجة أكيدة للأمير- وأراها الكتاب.
فأخذته منه وناولته الخادم الذي رآه أحمد معها، تريد بذلك أن يزداد حنق طولون على أحمد.
فمضى الخادم بالكتاب فقتله وبعث برأسه، فدهش طولون، واستدعى أحمد وسأله عن الخبر فأخبره بما رأى عليه الحظيّة وما كادت من أخذ الكتاب.
وبلغ الحظيّة مجيء رأس الغلام فخرجت إلى مولاها مريبة ذليلة تطلب العفو، وهي تظنّ أنّ الأمر قد صحّ عنده. فلم يزل بها حتى أخبرته ببراءة أحمد وأعلمته بالصحيح، فقتلها. وحظي عنده أحمد حتى ولّاه الأمر من بعده.
[[شجاعة ابن طولون]]
وكان قد نشأ نشوءا جميلا، وطلب الحديث، وأحبّ الغزو، وخرج إلى طرسوس مرّات. ولقي الشيوخ المحدّثين وسمع منهم، وكتب العلم وحصّل من ذلك قطعة كبيرة. وصحب هناك جماعة من الزهّاد وأهل الدين والورع فتأدّب بآدابهم وحسنت طريقته وظهر فضله، حتّى تمكّن له في قلوب الأولياء ما ارتفع به على طبقته، وبان فضله على وجوه الأتراك، وصار عندهم ممّن يوثق به، فزوّجه يارجوخ ابنته فولدت له العبّاس وفاطمة.
وسأل الوزير عبيد الله بن يحيى أن يكتب له برزقه إلى الثغر وعرّفه رغبته في المقام به، فأجابه الوزير إلى ذلك.
وخرج من بغداد فأقام بطرسوس مدّة. ثمّ قفل يريد بغداد في رفقة تبلغ نحو الخمسمائة رجل، والخليفة يومئذ أمير المؤمنين المستعين بالله، وقد بعث خادما له إلى بلاد الروم في رسالة بسبب أعراض (١) له، فابتاع له الخادم من بلاد الروم طرائف وقر بغل. وقدم إلى طرسوس وخرج في الرفقة التي فيهم أحمد بن طولون. فبينما هم في مسيرهم خرج [٨٧ أ] عليهم الأعراب، وأخذوا له أشياء، منها البغل الذي يحمل طرف الخليفة.
فبادر أحمد إلى الأعراب وقاتلهم ورماهم بالنّشّاب، إلى أن استنقذ منهم سائر ما أخذوه.
فعظم أحمد في عين الخادم وكبر في نفوس أهل القافلة. فلمّا وصل إلى العراق ذكر الخادم للمستعين ما كان من ذهاب الطرف، وأنّه، لولا غلام من غلمان أمير المؤمنين يعرف بأحمد بن طولون خلّصه وجميع ما أخذ، لقتلت نفسي أسفا
(١) العرض (بفتحتين): المتاع.