للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يعمل فيه شمّ الدواء، وتجيبه الطبيعة من غير احتياج إلى تعاطيه شربا.

[[عاداته على المائدة]]

وكان يصوم الدهر. فإذا غربت الشمس اشتغل بالوضوء، وصلّى المغرب، وتنفّل بعدها، وتناول ماء يشربه، ثمّ يركع ركوعا طويلا، ويأكل بيده فاكهة رطبة، ثمّ يركع ركوعا كثيرا إلى أن يصلّي العتمة، ويركع بعدها أيضا. ثمّ توضع المائدة عليها من كلّ حارّ وبارد، ولا تخلو قطّ من سمك وحلوى. فيتناول ما يشاء، ثمّ يضطجع وينام حينا. ثمّ يقوم ويتوضّأ، ويأكل من آخر الليل فاكهة يابسة وخشكنان (١) ثمّ ينام حتى ينتبه لصلاة الصبح، فإذا صلّى ركب لى التربة لا يخلّ بذلك أبدا.

وإذا كان مسافرا للحجّ، وغربت الشمس، عدل عن الطريق في قبّته، ومعه جاريته ستّ الناس في قبّتها. وينزلان في مضرب قد أعدّ لذلك. ويتوضّأ ويفعل جميع ما تقدّم ذكره من الأكل والصلاة.

وربّما اغتسل. ثمّ تدركه [١١٠ أ] القافلة الثلث الأوّل من الليل، وهو في قبّته، وجاريته في قبّتها يتحدّثان، وخلفهما ابن فضّال العلويّ على نجيب يقرأ القرآن. فإذا رأى أهل القافلة ضوء المشاعل، قالوا: هذا الشيخ قد جاء.

وكان يصنع الخشكنان ويلبّس ظاهره بالسكّر، ويحشوه بالسكّر واللوز، ومنه شيء قد حشي مع السكّر واللوز بالدنانير، ويفرّق ذلك على الأشراف سرّا ويقول لهم: احتفظوا بحشوه! فيفطن الذي يأخذها لما رمز.

وكان من أحسن الناس عشرة وأرضاهم خلقا،

وأجودهم حفاظا لا يذكر خمارويه إلّا قال: الأمير أبو الجيش رحمه الله! وإذا ذكر ابنه قال: الأمير أبو موسى رحمه الله! وإذا ذكر العبّاس بن الحسن قال: الوزير أبو أحمد رحمه الله! وربّما قال:

الشهيد، ونحو ذلك، في حقّ كلّ واحد.

وما رؤي أغير منه.

[[بذله الأموال لفداء المسلمين]]

وخرج في سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة إلى ثغر الإسكندريّة بسبب الفداء في جمع كبير، ومعه من الذهب والورق والثياب والطّيب والأطعمة ما يجلّ وصفه.

وخرج معه عدّة من الأشراف والعلماء والوجوه، فكان يفادي بالمسلم ويحضره إليه ويسأله عن بلده، ثمّ يكسوه ويطعمه بمفرده ويطيّبه ويدفع إليه نفقة، ثمّ يودّعه وينصرف. فلم يزل على هذا حتى فرغ الفداء، فكان فداء مذكورا، لم يقع بعده فداء مثله.

وكان كثير التلاوة للقرآن الكريم، لا يزال المصحف بين يديه، سواء كان متصرّفا أو متعطّلا، فلا يقصّر عن تلاوة الختمة في كلّ يوم. وكان كثير الصلاة طويل السجود، لا يترك قيام الليل في حال من الأحوال، فيقطع أكثر ليله مصليّا.

وكان غاية في الكرم ورقّة القلب، وله فيه أخبار كثيرة.

وكان أوّلا يشرب، ثمّ ترك الشارب، وواصل الصيام.

وأمر مرّة بشراء نوق للحجّ، فأحضر وكيله كيسا وصبّ الدنانير بين يديه فصاح وقال: إيش هذا؟

دنانير تصبّ بين يديّ! ما عرفت قطّ إلّا التوقيع! وهذا أمر لا يكون إلّا في الأسواق وعند التجّار.

فاعتذر الوكيل ممّا فعل.


(١) في المخطوط: خشكنار. والخشكنان: خبزة من دقيق الحنطة وتحشى بالحلوى وتقلى (المعجم الوسيط).

<<  <  ج: ص:  >  >>