للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فأيّهما تأتي فإنّك هالك ... قتيل ضلال أو طريدا مغرّبا

وكم قد رأينا تارك الغزو ناكلا ... تحمّم حنو السرج حتّى تنكّبا (١)

وخرج الناس على وجوههم هربا إلى السواد، وأرسلوا إلى أهاليهم أن جهّزونا ونحن بمكاننا.

وقال الحجّاج لصاحب الجسر: افتح باب الجسر، ولا تحل بين أحد وبين الخروج!

فخرج في تلك الليلة أربعة آلاف مدجّج، وبعث العرّاض (٢) إلى المهلّب، فما أتت عليه عاشرة حتى ازدحم الناس على المهلّب، فقال:

ويحكم! من هذا الذي استعمل على العراق؟ هذا والله الرجل الذكر! قوتل والله العدوّ!

ثمّ بعث الحجّاج الحكم بن أيّوب بن الحكم بن أبي عقيل على البصرة أميرا، وأمره أن يشتدّ على خالد بن عبد الله القسريّ، ففرّ خالد منه إلى عبد الله بن مروان.

واشتدّ الحجّاج على من تخلّف عن بعث المهلّب وأمر بطلبهم، فأخذ عرفاءهم وهدم الدور وعاقب بالقتل على التخلّف عن الوجه الذي يأتي إليه. وكان أوّل من عاقب في ذلك بالقتل، فإنّ عمر وعثمان رضي الله عنهما كانا إذا أخلّ الرجل بوجهه الذي بعث إليه يأمران أن تنزع عمامته ويقام للناس ويشهّر أمره. فلمّا ولي مصعب بن الزبير زاد فيه، فصار يرفع الرجل عن الأرض ويسمّر في يديه مسماران في حائط، فربّما مات وربّما خرق المسماران يديه وسلم. فلمّا كان الحجّاج قال: كلّ هذا لعب، أضرب عنق من يخلّ بمكانه من الثغر.

فهرب منه أبرح بن خنزير [٣٢٣ أ] التميميّ، وكان قد تخلّف من بعث المهلّب، فأخذ عريفه وهدمت

داره، فأنشأ يقول شعرا كثيرا، منه [الطويل]:

فإن تنصفونا يآل مروان نقترب ... إليكم وإلّا فأذنوا بابتعاد (٣)

فإنّ لنا عنكم مراحا ومزحلا ... بعيس إلى ربح الفلاة صوادي

ببختية بزل تمايل في البرى ... تبارى على طول الكلال عوادي

وفي الأرض عن ذي الجور منأى ومذهب ... وكلّ بلاد أوطئت كبلاد

٥ وماذا عسى الحجّاج يبلغ جهده ... إذا نحن جاوزنا حفير زياد (٤)

ففي الأرض عن دار المذلّة مذهب ... وكلّ بلاد أوطئت كبلاد

وجزنا بيوت المصر نحو تهامة ... مجاهل أطماس المدلّ عوادي

ولولا بنو مروان كان ابن يوسف ... كما كان عبدا من عبيد إياد

زمان هو العبد المقرّ بذلّة ... يراوح ولدان القرى ويغادي

يعني: أنّه كان معلّما.

[استبطاؤه المهلّب في حرب الخوارج]

وكتب إلى المهلّب (٥): أمّا بعد، فإن بشرا رحمه الله استكره نفسه عليك وأراك غناه عنك.

وأنا أريك حاجتي إليك. فأرني الجدّ في قتال


(١) المرصفيّ ٤/ ٧٩: فكائن ترى من مكره الغزو مسمرا ...
(٢) الطبري وابن الأثير: العرفاء.
(٣) حاشية في الهامش: وقيل إنّ هذا الشعر لمالك بن الريب بن حرمل أحد اللصوص الشعراء الفتّاك. مات بخراسان في صحبة سعيد بن عثمان والقصيدة ضمن الشعر المنسوب إلى مالك. انظر نوري القيسي شعراء أمويّون القسم الأوّل ص ٥١ بغداد ١٩٧٦.
وفي العقد ٥/ ١٣: لمالك بن الريب.
(٤) حاشية في الهامش: على خمس ليال من البصرة.
وحاشية أخرى: فماذا ترى الحجّاج يبلغ كيده؟ .
(٥) الكامل للمبرّد ١/ ٢٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>