للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ما عنده. فالحمد لله على إنجاح سعيي وتبليغي أملي، وإليه أرغب في العون على أداء شكره وتوفيقي لمرضاته، وهو حسبي ونعم الوكيل».

وذكر المنصور أنّه لمّا وقف في المضيق صعد رجل على صخرة يرميه بالحجارة ويقلب الصخور عليه، وهو لا يستطيع أن يتحرّك لضيق الموضع، وإذا برجل قد جاء إلى ذاك الرجل من ورائه فرماه برمح فقتله وحزّ رأسه. فأمره أن يحمل الرأس إلى المضرب وينتظره ليكافئه. فلمّا تراجع إليه الناس وعاد إلى المعسكر وجد الرأس بين يديّ المضرب فعرفه. وطلب قاتله فلم يجده، فعلم أنّ ذلك من نصر الله له.

[[المناظرة بين المنصور وأبي يزيد]]

وأحضر المنصور أبا يزيد بعد أخذه بيوم فقال:

«أي عدوّ الله وعدوّ دينه، كيف رأيت صنع الله؟ ألم ينصر الله الحقّ على قلّة أنصاره ويخذل الباطل على كثرة أعوانه؟ ». وقرأ قوله تعالى: وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ [الأنفال: ٤٨].

فرفع أبو يزيد رأسه وقال: قد أقدرك الله، والعفو أولى بك.

فقال له: تكلّم آمنا مطمئنّا: ما الذي اعتددت على أمير المؤمنين- يعني القائم بأمر الله- حين خرجت عليه؟

فقال: كان أبو القاسم كريما حوله قوم سوء أحدثوا هذه القبالات (١) التي فيها الجور على المسلمين، فقمت لذلك منكرا أريد إصلاح أمور الناس.

قال: فهل علمت أنّ ذلك من رأي أمير المؤمنين وأمره؟

قال: لا أعلم.

قال: فهلّا رفعت ذلك إليه وأطلعته عليه؟

فإن (٢) غيّر المنكر، كان الذي أردت، وإن هو لم يفعل اتّخذت ذلك [١٩٥ ب] حجّة عليه؟

فسكت. قال: كأنّك إنّما قمت محتسبا؟

قال: نعم.

قال: وهل غيّر الإسلام ونقض شريعة محمّد عليه السلام غيرك؟

قال: كيف؟

قال: بما ارتكبت من المحارم واحتقبت من العظائم، وسفكت من الدماء، وهتكت من الحرمات.

قال: فعل ذلك قوم سوء تبعوني.

قال: عن معرفة منك بهم أم عن جهل؟

قال: عن جهل.

قال: فإذا كنت لا ترى الحجّة عليك بفعل أصحابك، فمن أين رأيت الحجّة واجبة على أمير المؤمنين من فعل عبيده في أقاصي البلدان، وملكه بحمد الله كالبحر الذي فيه الجواهر والغثاء؟

فسكت. قال المنصور: ما تقول في بني كملان هؤلاء خاصة؟

قال: قوم سوء ملاعين.

قال: قد نقضت قولك وأكذبك الله على لسانك إذ زعمت أنّك جاهل بأهل الشرّ من أصحابك. ثمّ هذا قولك في بني كملان، وهم عمدتك وأصحابك، فالويل لك من الله!


(١) القبالة: ضريبة المالية يفرضها الحاكم على رعاياه (دوزي).
(٢) في المخطوط: وإن.

<<  <  ج: ص:  >  >>