للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والقائم في ذلك مسرور، فلمّا أكثروا عليه قال:

والذي نفسي بيده لينجزنّ الله لنا وعده وإن كره المشركون!

ثمّ قال لبعض الخدم: «امض إلى السور فإذا رأيت اللعين انصرف عن موضعه فلوّح لنا بالسيف»، ففعل ذلك. فلمّا انصرف أبو يزيد لوّح بسيفه فقال القائم: «أبشروا، فقد بلغ الفاسق أقصى غايته وقد انصرف عنكم ولستم ترونه عائدا إلى هذا المكان أبدا»، وكان كذلك.

فأمر القائم بحفر الخنادق حول المهديّة في شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وثلاثين، واستدعى كتامة فأتوه. فنزل أبو يزيد على المهديّة وصار على خمسة عشر ميلا منها، وبثّ سراياه ينهب ويقتل. فخرج إليه أصحاب القائم لثمان بقين من جمادى الأولى وقاتلوه، فهزمهم وقتل كثيرا منهم وأشرف على المهديّة ثمّ رجع إلى منزله.

وتقدّم إلى المهديّة في جمادى الأخرى، ووقف على الخندق المحدث وقاتل من عليه حتى وصل إلى عند المصلّى حيث الموضع الذي قال المهديّ إنّه ينتهي إليه. وتفرّق أصحابه ينهبون ويقتلون فحمل عليهم أصحاب القائم وهزموهم وقتلوا منهم. فاتّفق وصول زيري بن مناد، فخاف أبو يزيد وقام ليأتي كتامة وزيري من ورائهم، فظنّه أهل الأرباض القائم قد خرج من المهديّة فكرّوا وقويت نفوسهم واشتدّ قتالهم، فتحيّر أبو يزيد ونجا بنفسه إلى منزله بعد المغرب. واجتمع الناس عليه وحاصر المهديّة عدّة أشهر (١) حتى كثر الجوع والغلاء بها. ففتح القائم الأهراء التي عملها المهديّ وملأها طعاما، وفرّق ما فيها على رجاله.

وبلغ بلاء الناس من شدّة الجوع، فخرجوا من

المهديّة ولم يبق بها سوى الجند.

ودخلت [٨٢ ب] سنة أربع وثلاثين، والقتال مستمرّ بين القائم وبين أبي يزيد، فكانت بينهما حروب آلت إلى رحيله عن المهديّة في سادس صفر (٢). ونزل على القيروان. فتنفّس خناق أهل المهديّة، وقوي القائم، وبعث إلى البلاد العمّال وطردوا أصحاب أبي يزيد وأخذوهم، فتفرّق الناس عن أبي يزيد.

ثمّ جمع الناس وبعث العساكر تنهب وتقتل، وكان من ذلك ومن التخريب والإحراق بالنار ما لا يوصف. وكثرت الحروب بين أصحاب القائم وأبي يزيد إلى أن فوّض القائم العهد لابنه إسماعيل المنصور في شهر رمضان سنة أربع وثلاثين (٣).

[[وفاة القائم]]

وتوفّي بالمهديّة يوم الأحد لثلاث عشرة خلت من شوّال [سنة ٣٣٤] وله من العمر ثمان وخمسون سنة- وقيل: أربع وخمسون- وتسعة أشهر وستّة أيّام. وكانت ولايته اثنتي عشرة سنة وستّة أشهر- وقيل: سبعة أشهر- واثنى عشر يوما. وكتم ابنه المنصور إسماعيل موته سنة وثلاثة أشهر خوفا أن يتّصل ذلك بأبي يزيد، فيقوى عزمه.

وخلّف من الولد سبعة، وهم:

١ - أبو الطاهر إسماعيل، وولي الخلافة بعده.

٢ - وأبو عبد الله جعفر (٤).

٣ - وحمزة.

٤ - وعدنان.


(١) من جمادى الثانية سنة ٣٣٣ إلى صفر ٣٣٤.
(٢) من سنة ٣٣٤.
(٣) كان تعيين المنصور في ٨ رمضان ٣٣٤.
(٤) في الاتّعاظ ١٢٧: «مات [بمصر] في أيّام المعزّ»، أي بعد سنة ٣٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>