للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لم ير مثله. وركب عند غروب الشمس بجميع العسكر وأقام المحرس حول العسكر خشية أن يبيّتهم النكّار وأقام على ذلك ثلاث ليال ثمّ جعل ذلك نوبا على العسكر في الليل والنهار. وقطع الميرة عن القلعة من جميع الطرق.

وفي اليوم الرابع من نزوله أمر بحفر الخندق على معسكره في سفح القلعة وأخذ بيده معولا فحفر به أوّل الناس، فتسارعوا بأجمعهم في الحفر وجدّوا فيه. وأمر بقطع شجر الزيتون والثمار التي في سفح الجبل. وأخذت الرّماة في الرمي فقتلوا جماعة من أصحاب أبي يزيد بالنشّاب، وصلّى المنصور بالناس المغرب تحت القلعة وانصرف إلى مضاربه. فبلغه أن النكّار على عزم بيات العسكر، فأمر الكافّة بالخروج عن العسكر بالخيل والرجل وأمرهم بالصمت. فأقبل القوم في أوّل الليل فألفوا العسكر مستعدّين فانصرفوا. ثمّ عادوا فلم يجدوا فرصة فانصرفوا. ثمّ لمّا كان يوم الثلاثاء لثلاث عشرة بقيت من شوّال، زحف المنصور إلى القلعة وترجّل أكثر الناس، وصعد المنصور بنفسه إلى القلعة وجلس على بساط، والناس في القتال. ثمّ ركب يحرّضهم حتّى غربت الشمس [ف] انصرف بهم، وقد أثخنوا في العدوّ.

وبعث طائفة إلى غربيّ القلعة وشمالها حيث كان النكّار يرعون دوابّهم، فحصروا القلعة من تلك الجهة حتّى ضاق أهلها ضيقا شديدا.

وزحف يوم الجمعة لعشر بقين منه، وصعد بنفسه إلى سفح القلعة وكان قتالا شديدا إلى المساء، وكان يوم السبت مثل ذلك إلى الليل.

وكان قد بعث طائفة من العسكر إلى قلعة شاكر وبها قبائل هوارة ومن انضمّ إليها فحصروها حتّى استأمنوا وملكها. فلمّا علم بذلك أبو يزيد ومن معه طارت قلوبهم رعبا وخوفا.

ثمّ زحف أبو يزيد يوم الجمعة لاثنتي عشرة خلت من ذي القعدة إلى الخندق فقاتل ورجع خاسئا.

وفي غرّة ذي الحجّة نزل جماعة من كيانة بحرمهم مستأمنين فأمّنهم المنصور وأحسن إليهم.

[[عيد الأضحى في حصار كيانة]]

وجاء عيد الأضحى يوم الجمعة، فركب المنصور إلى المصلّى على فرس ورد بتجافيف مذهب [ة] وعليه ثوب أصفر وعمامة صفراء، والمطارد (١) والبنود والطبول في نواحي العسكر، فصلّى بالناس ثمّ رقي المنبر فخطب (٢).

«باسم الله الرحمن الرحيم.

«الله أكبر! الله أكبر! لا إله إلّا الله.

«والله أكبر! الله أكبر! ولله الحمد.

«الحمد لله المتوحّد بالربوبيّة، المتفرّد بالوحدانيّة، المتعزّز بالقدرة والبقاء، المتجبّر بالعظمة والكبرياء، الأوّل بلا غاية، والآخر بلا نهاية، المتعالي عن تشبيه الجاهلين وتحديد الواصفين وتكييف الناعتين.

«وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ [١٩٣ أ] محمّدا عبده ورسوله، أكرمه بالنبوّة، واصطفاه بالرسالة، وحباه بالفضيلة وابتعثه بالنور ساطعا، وبالحقّ صادعا، وبالهدى آمرا، وعن الكفر زاجرا، وعلى الأنبياء مهيمنا، ولما جاءوا به مصدّقا. فبلّغ الرسالة، وهدى من الضلالة، وأنقذ من الهلكة، وأنهج معالم الدين وفرائضه، وبيّن حدوده وشرائعه، وجاهد في سبيل الله حقّ جهاده حتّى أتاه اليقين، صلّى الله


(١) المطرد: الرمح القصير. والتجفاف بالكسر والفتح:
ضرب من الدروع للرجل والفرس.
(٢) الخطبتان في عيون الأخبار، ٤٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>