للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقال للعبيد والرجال بين يديه: فأجمعوا على بركة الله وعونه، فهذا يوم الفتح إن شاء الله، وبه أستعين وعليه أتوكّل.

فلمّا قرب أبو يزيد منه وعا [ين] صورته نكص على عقبيه [١٩١ أ] وولّى منهزما، وأخذت السيوف أصحابه فأسلموا عسكرهم وأخبيتهم، فقتل أصحاب المنصور من كان فيها وغنموها. فسجد المنصور على معرفة فرسه شكرا لله ورجع إلى قصره. ونادى مناديه: من أتى برأس فله ربع دينار، فأتي بزائد على عشرة آلاف رأس.

وأصبح المنصور يوم الجمعة فأخرج أحمالا كثيرة، دنانير ودراهم، تصدّق بها على الفقراء والمساكين والمستورين (١).

[[إسقاط الضرائب عن أهل القيروان]]

وأمر جعفر بن عليّ الحاجب بالسير إلى الجامع فصلّى الجمعة، ثمّ صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وشكره على ما رزق من النصر والظفر، وما كشف غمّته (٢) بالأمير عن الخاصّ والعامّ، والحاضر والبادي، من البلاء، وما رزقهم من الأمن والسلامة، ثمّ قال:

«معاشر الناس، مولانا وسيّدنا الأمير إسماعيل- أطال الله بقاءه وأدام عزّه وخلّد ملكه- يقرأ عليكم السلام ويقول لكم: قد علم الله حسن نيّتي لكم وما نويته من الخير فيكم وما أحبّه من صلاح أموركم. وإنّ لي آمالا حسنة فيكم منع من إظهارها ما كان من وقائع بيني وبين هذا الفاسق.

فلو كنّا أظهرنا ما نؤمّله من الإحسان قبل الظفر لقال الجاهل: إنّما فعل ذلك استمالة لقلوب الرعيّة وخوفا من العدوّ.

«فلمّا كان من فضل الله علينا ما علمتموه، ومن نصره لنا ما رأيتموه، أردنا أن نقابل منّة الله علينا بالشكر له عزّ وجلّ والإحسان إلى عباده، والرفق بخلقه، وأردنا أن نظهر بعض ما نويناه فيكم، إذ كان إظهاره بعد الفتح أولى وأشبه.

«قد ترك لكم الأمير، أعزّه الله، ما يجب عليكم من العشر والصدقات وجميع اللوازم، وفعل ذلك بجميع الناس، مسلميهم وذمّيّيهم، رفقا بهم، وعونا لهم على عمارة أرضهم. فليبلّغ الشاهد الغائب!

«ثمّ لا يؤخذ منكم في استقبال السنين إلّا العشر والصدقة: فالطعام من الطعام، والشاة من الغنم، والثور والبقر من السائمة، على فرائض الله عزّ وجلّ وسنّة جدّي رسول الله صلّى الله عليه وسلم.

«ثمّ بعد ذلك يساق إليكم من الإحسان والعدل، وإحياء الحقّ، وإماتة الباطل، ما تعظم به منّة الله عليكم، وتعرفو [ن] به بركة أيّامي ويمن دولتي إن شاء الله».

فكبّر (٣) الناس في الجامع ومن حوله وارتفعت أصواتهم بالبكاء والدّعاء.

وأخذ المنصور في السفر لطلب أبي يزيد، فأقام بالمنصوريّة (٤) باقي محرّم، وصفر، وأكثر ربيع الأوّل [سنة ٣٣٥].

[[ملاحقته أبا يزيد]]

ورحل يوم الأحد لأربع بقين من شهر ربيع الأوّل واستخلف على البلاد مداما الصقلبيّ (٥).


(١) المستورون: ضعفاء الحال المتعفّفون عن المسألة.
(٢) قراءة تقريبيّة، ففي المخطوط: عليه، بدون إعجام.
وسايرنا عيون الأخبار، ٣٧٨.
(٣) في المخطوط: فكبّروا.
(٤) هذا سبق للأحداث: فالمنصور لم يسكن المنصوريّة إلّا ابتداء من سنة ٣٣٧. وإنّما أمر في هذه الآونة بالشروع في بنائها. انظر عيون الأخبار، ٣٨٦.
(٥) في حاشية الصفحة كتب الناسخ هذه الإضافة: مات مدام الصقلبيّ سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة.

<<  <  ج: ص:  >  >>