للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بيض، وأن يمنع من النّوح عليه والبكاء، وأن يباشر بخدّه الأرض- مع ما أوصاه به من حسن السيرة والعدل في الرعيّة-.

فلمّا كان يوم الجمعة آخر يوم من شوّال سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة توفّي بالمنصوريّة، فغسّله جعفر بن عليّ الحاجب، وصلّى عليه ابنه أبو تميم معدّ مع من حضر من الخاصّة، ودفن في قصره ليلا.

ويقال إنّه أراد عبور الحمّام في مرضه فنهاه طبيبه إسحاق بن سليمان الإسرائيلي (١) عن ذلك، فلم ينته. ودخل الحمّام ففنيت الحرارة الغريزيّة منه ولزمه السهر. فأخذ طبيبه يعالج المرض دون السهر. فاشتدّ عليه ذلك فقال لخاصّته: أما في القيروان طبيب سوى إسحاق؟

فأتوه بشاب يقال له أبو جعفر أحمد بن إبراهيم بن أبي خالد بن الجزّار (٢) فجمع له مخدّرات عدّة وكلّفه بشمّها حتى نام. ثمّ خرج وهو مسرور بما كان منه. فجاء إسحاق ليدخل على المنصور فقيل له: هو نائم. فقال: إن كان صنع له شيء منوّم فقد مات! .

[[وفاة المنصور]]

فدخلوا فإذا به [قد] مات. فأرادوا قتل ابن الجزّار فمنعهم إسحاق من قتله وقال: لا ذنب له.

إنّما داواه بما قد ذكره الأطبّاء. غير أنّه جهل أصل المرض ولم تعرّفوه أنتم به. وذلك أنّي عالجته أريد تقوية الحارّ الغريزيّ، وبه يكون النوم. فلمّا عالجه هو بما يطفئ الحارّ الغريزيّ، علمت أنّه قد مات.

وتوفّي وهو ابن أربعين سنة كاملة. وكانت خلافته سبع سنين وثمانية عشر يوما. وكان حسن السيرة في الناس. وكان فصيحا خطيبا، يخترع الخطبة لوقته. وكان حادّ الذهن حاضر الجواب بعيد الغور جيّد الحدس شجاعا عاقلا. وكان كثير القتال لأهل الفساد، وبذلك استقام الأمر لولده من بعده.

وكان يشبّه بأبي جعفر المنصور ثاني خلائف بني العبّاس: وذلك أنّ كلّ واحد منهما اختلّت الدولة عليه، وكاد أن يسلّ من الخلافة فهبّت له رياح النصر حتّى تراجع أمره ولم يبق له منازع.

وكان للمنصور من الأولاد: أبو تميم معدّ، وولي الخلافة من بعده. وحيدرة، وهاشم، وطاهر، وأبو عبد الله الحسين (٣).

وخمس بنات هنّ: هبة، وأسماء، وأروى، وأمّ سلمة ومنصورة (٤).


(١) في طبقات ابن جلجل، ٨٧: مصريّ سكن القيروان، تتلمذ لإسحاق بن عمران وخدم المهديّ عبيد الله. وقال الأستاذ إبراهيم بن مراد في ترجمته لابن الجزّار (الحوليّات ٢٢/ ١٩٨٣)، إنّ إسحاق بن سليمان توفّي بعد ٣٤١ وأنّه كان استقدم من زيادة الله الثالث سنة ٢٩٣. وأضاف أن ابن الجزّار تتلمذ عليه.
(٢) في ترجمة ابن جلجل له، ٨٨ أنّه عاش نيفا وثمانين سنة وأنّه كان صديقا قديما لأبي طالب موسى، ابن المهديّ.
فإذا كان تربا لابن المهديّ- والمهدي ولد سنة ٢٦٠ - فمن المقبول أن يكون مولده سنة ٢٨٥ كما كتب الأستاذ إبراهيم بن مراد في فصله عن ابن الجزار بالحوليّات ٢٢/ ١٩٨٣. وبهذا يكون عمره عند وفاة المنصور، نحو ٥٥ سنة، وليس هذا العمر من الشباب في شيء.
(٣) أولاد المنصور: في الاتّعاظ، ١٣٣، أنّ حيدرة مات بمصر سنة ٣٧٢. ومات أبو عبد الله الحسين بالمغرب، ولم يذكر له تاريخا. ومات طاهر بالمغرب سنة ٣٥٩.
وهاشم هو الذي ولد في أيّام فتنة أبي يزيد (انظر أعلاه ص ٨٣).
(٤) لم يذكر المقريزي في الاتّعاظ، ١٣٣ تواريخ وفياتهنّ، واكتفى بأن قال: هبة وأسماء وأروى متن بمصر في مدّة المعزّ، وأم سلمة في مدّة العزيز. أمّا منصورة- وقد قرأها المرحوم الشيّال: سمّور- فماتت بالمغرب.

<<  <  ج: ص:  >  >>