للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

المحرّم سنة أربع وستّين وثلاثمائة.

وأصبحوا على ذلك. فظهر في أهل الشرّ غلام يقال له «ابن شرارة» قد ترأّس وصار له قدمة في الشّنيرة (١) والقتال فأخذ جهة من البلد يقاتل عليها ووقف على باب الجابية عبيد الحورانيّ في جماعة، وعلى باب الفراديس ابن بزيزات وابن المغنيّة وقسّام، وكلّ جرى من هؤلاء بأعلام وأبواق. فاستمرّ القتال في أكثر المحرّم وفني فيه خلائق إلى أن خرج المشايخ إلى أبي محمود وشكوا إليه ما الناس فيه، وأنّه لم يهلك إلّا أهل السّتر والمستضعفون. وكان قد علم ذلك وأنّ الفساد إنّما هو من أهل الشرّ فقط. فأجابهم ووقع الصلح، وصرف حمزة المغربيّ وابن كشمرد الإخشيديّ عن الشرطة، وولّى رجلا من بانياس كان أميرا على التركمان يقال له «أبو الثريّا» على الشرطة وذلك لأوّل صفر [سنة ٣٦٤] فعبر من باب الصغير، ومعه رجّالة من الأكراد، وقد كمن له ابن الماورد أحد الشطّار فثار به وخرج عليه فقتل من أصحاب أبي الثريّا عدّة، وانهزم فيمن بقي معه إلى أبي محمود، وقد انتشر الناس حول البلد بمعايشهم وضروراتهم.

[[محاصرة المغاربة لدمشق]]

فركب العسكر وأخذوا الطرق وأتوا على كثير ممّن ظفروا به ليقتلوهم ووقع النفير في البلد.

فخرج الناس واشتدّ القتال مدّة صفر وشهر ربيع الأوّل إلى أن بقي من شهر ربيع الآخر ليال فوقع الصلح، وولّى أبو محمود ابن أخيه جيش بن الصمصامة (٢) البلاد، ونزل في قصر الثقفيّين

وانصلح الحال أيّاما إلى أن عبر بعض المغاربة من الفراديس فعاثوا هناك فثار الناس بهم وقتلوا من لحقوا منهم وعادوا [٢٧ أ] إلى قصر الثقفيّين ففرّ جيش بمن معه فنهبوا ما كان معهم، وصار جيش إلى أبي محمود، وأركب معه العسكر وزحف على المدينة بالنفّاطين فأحرق مواضع حتىلم يبق لها أثر. وقصد أهل الشرّ، وكانوا في موضع بالمدينة يعرف بسقيفة جناح بالقرب من باب كيسان، فقاتل هناك إلى باب شرقي (٣) قتالا شديدا من أوّل جمادى الأولى في كلّ يوم من بكرة النهار إلى آخره ويبيت العسكر حول المدينة يطلبون الغفلة فيقع النفير من البلد إلى تلك الجهة حتّى تحمى، فإذا أصبحوا عاودوا القتال.

فتعب أهل المدينة بحصار العسكر من باب إلى باب، والقصد إنّما هو باب كيسان، فتارة يكون للعسكر وتارة يكون لأهل البلد، ولا يكلّ أحد من الفريقين. وقتل خلق كثير ومات في البلد من دوابّ أهل الغوطة التي دخلوا بها شيء كثير.

وصار العسكر يتخطّف من يظفر به من أهل الغوطة ويقتلو [ن] هـ فخربت الغوطة وخلت القرى حتى إنّ العسكر كان يجول بها فلا يجد أحدا. فصاروا يحرقون الأبواب ويأخذون المسامير والحصر، ولا يقعون على أحد إلّا قطعوا رأسه. ومنع الواصل إلى المدينة فغلت بها الأسعار، وبطل البيع والشّراء، وانقطع الماء عن البلد فعدمت القنى (٤) والحمّامات، وصار الإنسان إذا مرّ بمدينة دمشق لا يجد غير أسواق مغلقة ونساء جلوس على الطرقات وقوم يصيحون: النفير!


(١) الشنيرة: اسم أو مصدر غير قياسيّ من شنر، أي عمد إلى الشرّ والعيب والعار.
(٢) جيش بن الصمصامة له ترجمة في المقفّى رقم ١١٠٧ -
(٣) باب شرقيّ بدمشق: هكذا ذكره ابن القلانسي ٢٦. وانظر فصل دمشق بدائرة المعارف الإسلاميّة، ج ٢، ص ٢٩١ عمود ١.
(٤) جمع القناة وهي مجرى الماء.

<<  <  ج: ص:  >  >>