للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ظنّ القلاع تردّ بأسك دونها ... فقصدته من حيث لم يك أمّلا

ولجا إلى تلك الوعور، وخلفه ... نكر إذا ما حلّ وعرا أسهلا (١)

أتبعته حزما أحاط بكيده ... ورميت عقد ضلاله فتحلّلا

١٠ لم ينج منك، وأين [كان] لمثله ... منجى، ولو سكن السماك الأعزلا؟

جازيته أوفى الجزاء، ولم تكن ... فيما عهدت تقول حتّى تفعلا

نعتدّ ذكرك عند كلّ شديدة ... وزرا نلوذ به وسيفك معقلا

أقبلت تقدمك السعادة مثلما ... وافى بجدّته الربيع فأقبلا

فاسلم أمين الله للدنيا التي ... أعززت، والدين الذي بك أكملا

[تمرّد الفضل ابن صاحب الحمار]:

ثمّ بلغ المنصور أنّ فضل بن أبي يزيد مضى إلى جبل أوراس وجمع عددا كبيرا وسار إلى قسطيلية وقفصة. فرحل في حينه من المنصوريّة يوم الاثنين غرّة شعبان، ومعه الأمير أبو تميم معدّ وليّ عهد المسلمين، وسار حتّى نزل مدينة سبيطلة ثمّ أتى قفصة فأقام بها أربعة أيام وقد فرّ عنها فضل إلى عمل بسكرة فرحل في طلبه لثلاث بقين منه وبعث الأمير أبا تميم إلى حصن منيع به جماعة من أصحاب فضل بن أبي يزيد ففتحه وعاد غانما بالأسرى، فاستقبله قائما فقبّل ما بين عينيه وضمّه إلى صدره وقال: «أنت ابني حقّا! »، وحزّت رءوس الأسرى فزادت على ثلاثمائة رأس بعث بها إلى المهديّة والمنصوريّة [١٩٧ أ] وأمر بقطع نخلهم وأشجارهم وهدم حصنهم وعاد، وقد توغّل فضل

في الرمال، لثلاث خلون من شهر رمضان، ونزل بقصره بالمنصوريّة يوم الثلاثاء النصف منه، ثمّ رحل منه إلى المهديّة لخمس بقين منه.

[[خطبة عيد الفطر بعد الظفر]]

وركب منها يوم الفطر، والأمير أبو تميم وليّ عهده خلف ظهره والأولاد والإخوة والعمومة من ورائهما والأعلام والمطارد بين أيديهما، والطبول تضرب في نواحي العسكر، وهو سائر بوقار حتّى وصل إلى المصلّى فنزل وصلّى بالناس ثمّ صعد المنبر فقال:

«بسم الله الرحمن الرحيم،

«الحمد لله، شكرا لأنعمه التي لا تجحد، وتعرّضا للمزيد من فضله الذي لا ينفد.

«ولا إله إلّا الله، إخلاصا للتوحيد.

«والله أكبر، إجلالا لذكر العليّ المجيد، له الكبرياء والقوّة، والجلال والقدرة، والسناء والعظمة، له ما في السماوات العلى، والأرضين السفلى، وما بينهما وما تحت الثّرى، كلّ خاضع لعظمته، متذلّل لعزّته، متصرّف بمشيئته، واقع تحت قدرته.

«وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله، اختاره وانتخبه وارتضاه، وكرّمه واصطفاه، وبعثه بالهدى ودين الحقّ الذي تعبّد به من في السماوات من الملائكة المقرّبين، ومن في الأرض من الثقلين أجمعين، فقام عليه السلام بما حمّل، وبلّغ ما به أرسل، صادعا بأمر ربّه، صابرا على البأساء والضرّاء، إلى أن أظهر الله دينه على الأديان، وأزهق بحقّه أباطيل الأوثان، صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، وشرّف وكرّم.

«عباد الله، أوصيكم بتقوى الله وطاعته، وخشية


(١) النكر (وزن فطن ولبق): الذكيّ النبيه الداهية.

<<  <  ج: ص:  >  >>