للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

استخبرته. فقتل العبد] (١)، وقال:

أيّ محلّ أرتقي ... أيّ عظيم أتّقي

وكلّ ما قد خلق ال ... لّه وما لم يخلق

محتقر في همتي ... كشعرة في مفرقي

وأخذت بيعته لأهلي. ثم صحّ بعد ذلك أنّ البيعة عمّت كلّ مدينة بالشام، وذلك بأصغر حيلة تعلّمها من بعض العرب، وهي صدحة (٢) المطر يصرفه بها عن أيّ مكان أحبّ بعد أن يحوّي عليه بعصا، وينفث بالصدحة التي لهم. وقد رأيت كثيرا منهم بالسكون وحضر موت والسكاسك من اليمن يفعلون هذا ولا يتعاظمونه حتّى إنّ أحدهم يصدح عن غنمه وإبله وبقره، وعن القرية من القرى فلا يصيبها من المطر قطرة، ويكون المطر ممّا يلي الصدحة. وهو ضرب من السّحر. ورأيت فيهم من السحر ما هو أعظم من هذا.

وسألت المتنبّي بعد ذلك: هل [٧٦ ب] دخلت السكون؟

قال: نعم. ووالدي منها. أما سمعت قولي [الوافر]:

أمنسيّ السكون (٣) وحضرموتا ... ووالدتي وكندة والسبيعا

فقلت: من ثمّ استعار ما جوّزه على طغام أهل الشام.

[[أنموذج آخر]]

وقال أبو العلاء أحمد بن سليمان المعرّي (٤):

أخبرني بعض الكتّاب قال: كنت بالديوان في بعض بلاد الشام. فأسرعت المدية في أصبع بعض الكتّاب، وهو يبري قلمه، وأبو الطيّب حاضر.

فقام إليه وتفل عليه، وأمسكها ساعة بيده، ثمّ أرسلها وقد اندملت بدمها. فجعل يعجب من ذلك، ويرى من حضر أن ذلك من معجزاته.

وقال أبو الفتح عثمان بن جنّيّ النحويّ:

سمعت أبا الطيّب يقول: إنّما لقّبت بالمتنبّي لقولي [الخفيف]:

أنا في أمّة تداركها اللّ ... هـ غريب كصالح في ثمود

ما مقامي بأرض نخلة إلّا ... كمقام المسيح بين اليهود

وقيل: على من تنبّأت؟

قال: على الشعراء.

فقيل له: لكلّ نبيّ معجزة. فما معجزتك؟

قال: قولي [الطويل]:

ومن نكد الدنيا على الحرّ أن يرى ... عدوّا له ما من صداقته بدّ

[[دخوله مصر]]

ودخل أبو الطيّب في صباه إلى الشام وجال في أقطارها، وصعد بعد ذلك إلى مصر (٥). وكان بها في سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة. وقدم وافدا على سيف الدولة بن حمدان بحلب في سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة فأكرمه وأنفق عليه، إلى أن خرج


(١) الفقرة بين المربّعين ساقطة من مصادرنا.
(٢) الصّدحة: بالفتح والضمّ: خرزة يستعطف بها الرجال.
(٣) العكبري ٢/ ٢٥٧: الكناس بدل السكون وهي محلّة بالكوفة وكذلك بقيّة الأسماء.
(٤) في المخطوط، العربيّ: والقصّة في رسالة الغفران ٤١٥.
(٥) لم يثبت أنّ المتنبّي زار مصر قبل انقطاعه عن سيف الدولة. انظر عبد الوهاب عزّام: ذكرى أبي الطيّب ١١٥.
ولم يذكر البديعي كذلك هذه الزيارة.

<<  <  ج: ص:  >  >>