أن يكتب كذا- حتى أتى على الفصول، وقال:
أصلحوها هكذا.
ثمّ قال له: عند ما جاءتك رسالتي، أين كنت؟
قال: عند أبي يعقوب إسحاق بن نصير، وكنّا على قسمتها.
فقال: امض للقسمة.
فعاد وقد بقي من النهار ستّ ساعات، فجلسوا إلى أن مضى من الليل أربع ساعات، جاءتهم فيها من أبي زنبور ثماني عشرة تحفة، واقتسموا المال عن طيب نفس منه.
[[فضله على مصر]]
وكان أبو زنبور مع إنعامه وإفضاله له رأي سديد وتدبير جيّد، وقد ضبط أمور مصر أربع مرّات.
أوّلها يوم ذبح خمارويه بدمشق، فعقد البيعة لابنه جيش بن خمارويه وتختّم بخاتم أبي الجيش وسار بالعساكر إلى مصر حتى دخل بها سالمة.
والثانية لمّا دخل محمد بن سليمان الكاتب إلى مصر لزوال دولة ابن طولون، لم يزل يعمل الحيلة ويكتب إلى العراق حتى جاء فاتك وهزم ابن الخليج وأسره.
والثالثة في وقعة حبّاسة، قام بالأمر مع مؤنس وأحسن إلى المستأمنة وأنفق أموالا جمّة.
والرابعة في نوبة الجيزة لمّا مات ذكا الأعور أمير مصر، فإنّه خاف على مصر من قدوم عساكر المغرب، فكتب إلى ابن المهديّ- وهو بالإسكندريّة- يعده بأن يسلّم إليه مصر، وكتب إلى دمشق يحثّ تكين على المسير بالعساكر إلى مصر، وكتب إلى العراق يحثّ مؤنس الخادم علىالقدوم إلى مصر بالعساكر ويخوّفه استيلاء المغاربة، فتمّ له ما أراد وتكاملت عنده العساكر بمصر.
[تلطّفه ومداراته]
وثارت به رجّالة مصر مرّة وأخذوه إلى جامع أحمد بن طولون وحبسوه في الغرار (١) وأحاطوا به، فجاءه في الليل هلال بن بدر أمير مصر ليخلّصه من أيديهم. فبعث إلى الرجّالة يقول لهم: إنّما يريد هلال قتلي ويتلف الأموال [٤٣٧ ب] التي أريد أن أعطيها لكم.- فمشى عليهم ذلك وشتموا هلالا وردّوه، و [أ] ركبوا أبا زنبور في أوّل النهار وحفّوا بركابه وأوصلوه إلى داره، فوضع العطاء وأعطاهم، فشكروه وانصرفوا عنه.
وكان مع ذلك قويّ القلب واسع الحيلة، ولمّا قدم مؤنس من العراق إلى مصر استدعى أبو زنبور الحسن الدقّاق، وقال: إنّ الأستاذ مؤنس قد وافى. ولي بمشتول ستّون ألف إردبّ قمحا، فإذا وافى فقم له بالوظيفة- يعني الدقيق والخبز- ففعل ذلك مدّة شهر. فلمّا مضى الشهر، قال له علوان كاتب مؤنس: كم لك حتى ندفعه إليك؟
فقال: إنّما هو لأبي علي- وأعلمه الخبر.
فقال: أحسب الأستاذ لا يرضى أن يكون في ضيافة أبي علي.
وأعلم مؤنسا بذلك، فقال: أنا آكل خبز حسين؟ لا يبرح الرجل حتى يقبض ماله.
فبلغ ذلك أبا زنبور، فقام من فوره إلى مؤنس وأكبّ على رجليه يقبّلهما، واحتشم منه، وقال:
والله يا أبا عليّ لا أجيبك إلّا [ل] هذا الشهر الذي مضى، ولا تعاود.
فرجع وقال للدقّاق: قم لهم بالوظيفة.
فقال: ما بقي عندي قمح.
(١) قراءة ظنّيّة: الغوار أو الفواز، ولم نعرفها.