للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثمّ قال لهم: بادروا فليس في الأمر مهلة، ولا تطمعوا في أنفسكم وفي الدولة! وقد بلغكم ما كان بالشام.

وكانت أمّ أبي القاسم أو نوجور تستمع، فأعجبت بقوله وكذلك جميع الحاشية. فبعثت إليه: تكون أنت المدبّر! فامتنع فألزموه ذلك فقال: على أن لا أنزع الطيلسان (١)، ولكن ابني أبو علي- يعني الحسين بن محمد- يكون وزيرا وأنا أدبّر الأمر.

فأجابوه إلى ذلك، وقبض أبو المظفّر على الوزير محمد بن علي بن مقاتل، وقام محمد بن علي ومعه الوجوه والقوّاد إلى داره فصرف الأمور، وكتب إلى الشام بما فعله، فوردت الأجوبة بشكره.

وسار أبو الفضل جعفر بن الفرات فركب معه وشيّعه إلى داره وإلى المسجد يوم الجمعة.

وقدم كافور إلى مصر بالعساكر التي كانت بدمشق مع الإخشيد، فاستمرّ أبو بكر محمد بن عليّ يدبّر الأمور إلى أن خرج كافور من مصر بالعساكر لقتال سيف الدولة أبي الحسن عليّ بن حمدان، ومعه أبو عليّ الحسين بن محمد الماذرائيّ، وأقام أبوه محمد بن عليّ مع أونوجور.

فقدم أبو نصر غلبون بن سعيد المعرّي (٢) الثائر بالصعيد إلى الفسطاط، وانهزم منه أونوجور بمن معه، ومنهم محمد بن عليّ. وتبعهم أصحاب غلبون، فأدركوا محمد بن عليّ، وقد سقط عن بغلته فأتوا به غلبون فأكرمه وأجلسه إلى جانبه، ثمّ

أمره أن ينصرف إلى داره [١٠٩ أ] ويبكّر لتدبير الأمر، فانصرف.

وغدا إليه في عسكر عظيم بالحجّاب والأتباع حتى جلس في دار الإمارة، وقد خرج غلبون إلى عسكره بباب المدينة. فلم يشعر محمد بن عليّ إلّا وأونوجور قد عاد إلى المدينة في الساعة الثالثة من النهار. فلمّا رآه أونوجور أمر بضربه، فضرب ضربا عظيما كان يأتي على نفسه لولا ما أدركه الله بنجح الخادم حتى طرح نفسه عليه وجرّه برجله إلى بيت الماء وأغلقه عليه، وامتدّت الأيدي إلى داره فنهبوها وسائر دور أهله وأقاربه، فكان يوما عظيما.

واستوزر أونوجور عوضا عنه أبا الفضل جعفر بن الفضل بن الفرات، وذلك كلّه في يوم الأربعاء لسبع خلون من ذي القعدة سنة خمس وثلاثين [وثلاثمائة]. وقبض على ابنه الحسين بالشام.

فلمّا قدم كافور من الشام في سنة ستّ وثلاثين، وصار إليه تدبير أمور الدولة، أطلق محمد بن عليّ، وأعاده إلى داره مكرّما في شعبان سنة ستّ وثلاثين وثلاثمائة، وردّ إليه ما بقي من ضياعه وضياع ابنه. فلم يزل إلى سنة أربعين، فماتت أمّ ولده وحجّ من عامه ذلك، وواصل الحجّ خمسة أعوام فكملت له سبع وعشرون حجّة على ما وصفنا من السعة والإنعام.

ثمّ إنّه اعتلّ، فكان كافور يعوده في كلّ يوم ثلاثاء، إلى أن مات ليلة الجمعة لإحدى عشرة خلت من شوّال سنة خمس وأربعين وثلاثمائة، فدفن فيداره، ثمّ نقل إلى المقبرة.

[[سعة إفضاله]]

وكانت له فضائل، منها أنّ ديوانه أطبق على


(١) الطيلسان: ثوب فاخر للعلماء والقضاة والفقهاء.
(٢) عن الحرب بين غليون وشادن، انظر الولاة والقضاة ٢٩٥: وقتل غلبون في ٢٥ ذي الحجّة ٣٣٦. والأقرب إلى الظنّ أنّه مغربيّ لا معرّيّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>