للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وكان محمد بن عليّ صائما فطوى وامتنع من الأكل والشرب لا يزيد على القراءة والصلاة، وبات على ذلك. وأصبح صائما، وامتنع عند العشاء من الأكل، حتّى عرف أنّ الوزير ابن الفرات لم يأكل في ليلته الماضية شيئا، وأنّه قال:

لا آكل أبدا حتى يأكل محمد بن عليّ!

فأكل حينئذ وشرب. فأنفذ ابن الفرات بمصادرته على ألف ألف، وقبض ضياعه التي بالشام ومصر، وتتبّع أسبابه، وحمله معه إلى الشام.

ثمّ عاد به إلى مصر. وخرج به ثانيا، فمات ابن الفرات بالرملة بعد ما أقام (١) معتقلا خمس سنين بالرملة وغيرها.

ثمّ عاد إلى مصر، فردّ إليه الأمير أبو بكر محمد بن طغج الإخشيد الأمور، وخلع على ابنه الحسين بن محمّد، وقلّده السيف وألبسه المنطقة، ولزم محمد بن عليّ الدّرّاعة (٢) وسار إلى منزله وخلفه ابنه بالخلع، فعادت الأمور كلّها إليه.

فلمّا توجّه الإخشيد إلى قتال محمد بن رائق بالشام في المحرّم سنة ثمان وعشرين [وثلاثمائة] واستخلف أخاه الحسن بن طغج على مصر، أقام محمّد بن عليّ معه. فلم يزل يدبّر الأمور إلى أن قبض عليه الإخشيد في سنة إحدى وثلاثين [وثلاثمائة] بعد ما أعدّ له دارا تناهى في فرشها وملأها بجميع ما يحتاج إليه من ملبوس وطيب وطرائف ومآكل ومشارب، ونزل إليها وطافها، فلمّا أعجبه هيئة ما فيها، أمر به فاعتقل بها. وقيل

له: عملت كلّ هذا لمحمّد بن علي؟

فقال: نعم، هذا ملك وأروم أن لا يحتقر شيء لنا ولا يطلب حاجة إلّا ويجدها، لأنّه إن عجز [نا] عن شيء (٣) أحضره من داره ونسقط من عينه.

فلمّا خرج الإخشيد إلى الشام في رجب سنة اثنتين وثلاثين [١٠٨ ب] حمل محمد بن عليّ معه، وعرض عليه الدخول إلى أمير المؤمنين المتّقي بالله إبراهيم ابن المقتدر فامتنع، وعاد معه إلى مصر.

فلم يزل بها حتى مات الإخشيد بدمشق في ذي الحجّة سنة أربع وثلاثين [وثلاثمائة] وورد الخبر إلى مصر بوفاته.

فاجتمع أبو المظفر الحسن بن طغج ووجوه مصر بدار الإمارة وتفرّقوا عن غير رأي. ثمّ اجتمعوا من الغد وهو يوم الخميس السادس من المحرّم سنة خمس وثلاثين [وثلاثمائة] وأحضروا محمد بن عليّ وشاوروه في أمرهم، فقال: أليس المتّقي لله استخلف الأمير أبا القاسم ابنه وكنّاه، واستخلفه الأمير أبو بكر محمد بن طغج الإخشيد رحمه الله، وكذلك استخلفه أمير المؤمنين المستكفي بالله؟

فكره الحاضرون قوله وأشاروا إلى أنّه صبيّ، فقال: هذا هو الرأي عندي، وأنا أجلست هارون بن أبي الجيش [بن] أحمد بن طولون وهو أصغر منه، ونزعت القرطين من أذنيه. ولقد انضبطت الأمور وطالت المدّة وحصّلت له ما كان لأبيه وجدّه من الرقّة إلى برقة. والأمير أبو القاسم نصبه واجب، حفظا لأبيه، ويخلفه عمّه أبو المظفّر.


(١) الذي بقي معتقلا هو الماذرائيّ. أمّا الفضل بن الفرات فقد مات سنة ٣٢٧.
(٢) الدرّاعة: لباس مدني في مقابل القبا والمنطقة والسيف، وهي شارات القيادة العسكريّة. انظر: العيون والحدائق ٦٧١.
(٣) في المخطوط: إن عجز شيئا، واللغة في الحوار مختلّة منحطّة بوجه عامّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>