وعن أبي عبيدة: قال المنصور لعمرو بن عبيد:
أكاتبت عبد الله بن حسن بن حسن؟
فقال: جاءني كتاب يشبه أن يكون كتابه فأجبته بخلاف ما أحبّ، وأنت تعرف رأيي في الخروج.
قال: أفتبرئ صدري بيمين؟
قال: وما تصنع باليمين؟ لئن كذبت تقيّة لأستجيزنّ أن أحلف لك تقيّة.
وقال الربيع: دعا المنصور بعمرو بن عبيد.
فلمّا استأذنت له، وكانت عليه جبّة وشي، دعا بمبطّنة مرويّة فلبسها، ثم نزل عن فرشه. فقلت:
يا نفس، ما كنت أظنّ أبا جعفر يداري أحدا!
وعن المدائني: كان المنصور يقول: الندم على السكوت خير من الندم على الكلام.
[نوبة الراونديّة]
وعن الهيثم بن عديّ: إنّ قوما من أصحاب أبي مسلم من أهل خراسان كانوا يقولون بتناسخ الأرواح فيزعمون أنّ روح آدم عليه السلام في عثمان بن نهيك. ويقولون: إنّ أمير المؤمنين يرزقنا ويطعمنا ويسقينا، فهو ربّنا، وأنّه لو شاء أن تسير الجبال لسارت، ولو أمرنا أن نستدبر القبلة [١٠٣ أ] لاستدبرناها. وكانوا يطوفون حول قصر المنصور ويقولون قولا عظيما. فحبس المنصور منهم نحوا من مائتين من رءوسهم، فغضب أصحابهم. وكان المنصور أمر أن لا يجتمعوا، فاتّخذوا نعشا وأظهروا أنّ فيه امرأة ميّتة، وملئوه سلاحا ثمّ حملوه ومرّوا إلى باب السجن فأخرجوا أصحابهم وهم مائتان. وكانوا أربعمائة فتتامّوا ستّمائة وقصدوا القصر. فتنادى الناس وأغلقت أبواب المدينة. وخرج المنصور يمشي من القصر، ولم يكن عنده دابّة. فمن ذلك اليوم ارتبط فرسا في القصر يكون معه، واقتدى به الخلفاء والملوك وارتبطوا عندهم فرسا سمّي «فرس النوبة».
فلمّا برز المنصور أتى بدابّة فركبها وقصد قصدهم. فجاء معن بن زائدة الشيباني حتى دنا منه، ثمّ ترجّل وأخذ أسافل ثيابه فجعلها في منطقته وأخذ بلجام دابّة المنصور وقال: أنشدك الله إلّا رجعت! فإنك تكفى إن شاء الله.
ونودي في أهل السوق والعامّة فرموهم بالحجارة وقاتلوهم. وفتح باب المدينة فدخل الناس، وجاء خازم على فرس فحمل عليهم فكشفهم. وقاتل معن يومئذ قتالا لم ير مثله، فكان المنصور يقول: كنت أسمع أنّ رجلا يقاتل ألفا فلم أصدّق حتى رأيت معنا.
فقتلوا عن آخرهم، وهم ستّمائة. ورمي عثمان ابن نهيك بنشابة مرض منها فمات. فأقيم بدله على الحرس أبو العبّاس الطوسيّ.
وكان أمر الر [ا] ونديّة بالمدينة الهاشميّة بالكوفة في سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة أو في سنة أربعين.
[[بلاء معن بن زائدة في خدمة المنصور]]
وجاء الربيع فأخذ بلجام دابّة المنصور، فقال له معن: تنحّ [١٠٣ ب] يا بنيّ وليس هذا من أيّامك.
ولمّا صار المنصور إلى القصر دعا بالعشاء، وأمسك يده حتّى أتى بمعن، وأمر بعض أهل بيته فتزحزح له حتّى جلس مكانه. فلمّا فرغوا من العشاء قال المنصور لعيسى بن عليّ: يا أبا العبّاس، أسمعت بأسد الرجال؟ هو والله معن بن زائدة!
فقال معن: والله ما قوّى منّتي إلّا ما رأيت من شجاعتك. ولقد وردت وجل القلب حتى أبصرتك.
فقال: أخبرهم عنّي بما رأيت!