للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فدعا إلى الصلح، وكان الشتاء قد هجم عليه، وهلك أكثر ما معه من الكراع، وصار معظم أصحابه رجّال [ة] بغير خيل، وقلّت العلوفات عنده واشتدّ وقوع الثلوج [٣٦٦ ب]. فامتنع هفتكين من إجابته ثمّ أذعن وأنفذ إلى جوهر بجمال.

ورحل عن دمشق بعد ما أحرق ما عجز عن حمله من الخزائن والأسلحة. وسار يوم الخميس ثالث جمادى الأولى مجدّا لخوفه أن يدركه القرمطيّ، فهلك كثير من عسكره لشدّة الثلج، وأخذ القرمطيّ يسير خلفه من طبريّة إلى الرملة فتحصّن جوهر بزيتون الرملة، وخرج هفتكين من دمشق ولحق بالقرامطة واجتمعوا على قتال جوهر.

فجرت بينهم حروب طويلة شديدة آلت إلى التجاء جوهر إلى عسقلان، وقد فني معظم عسكره ونهبت أثقاله. فنزل هفتكين عليه وحصره حتى بلغمنه الجهد الشديد، وغلت عنده الأسعار بعسقلان، فبلغ قفيز القنح أربعين دينارا، وتنكّر عليه من معه من الكتاميّين واحتقروه وتنقّصوه وشتموه. وكانوا قبل ذلك قد تخاذلوا ولم يصدقوا في القتال، وكايدوا القائد جوهرا، فضاقت بجوهر ومن معه الأرض ولاذ إلى الصلح. فبعث إليه هفتكين: إن أردت الخروج بمن معك فأنا أؤمّنك حتى تنصرف إلى صاحبك.

فتعاقدوا على ذلك، وصالح هفتكين على مال، وخرج وقد، علّق هفتكين سيفه على باب عسقلان حتى يخرج جوهر ومن معه من تحت سيفه، فسار [٣١١ ب] إلى القاهرة، وقد بلغ العزيز ما هو فيه من الجهد، فبرز يريد السفر إلى الشام، فسار معه.

وكانت مدّة قتال القرامطة وهفتكين لجوهر على الزيتون ظاهر الرملة وعلى عسقلان سبعة عشر شهرا.

فلمّا قدم جوهر على العزيز وبلغه تخاذل الكتاميّين غضب من ذلك غضبا شديدا، وعذر جوهرا وأظهر أنّه قد تنكّر له وعزله عن الوزارة، وصيّر مكانه يعقوب بن كلّس. فلمّا فرغ العزيز من قتال هفتكين وعاد إلى القاهرة، لم يزل جوهر بها إلى أن مات يوم الخميس لإحدى عشرة بقيت- وقيل بل مات لسبع بقين- من ذي القعدة سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة. فبعث العزيز بالله إليه بالحنوط والكفن، وبعث إليه الأمير منصور ابن العزيز وبعثت إليه السيّدة العزيزيّة أيضا. فكفّن في سبعين ثوبا ما بين مثقل ووشي مذهب، وصلّى عليه العزيز.

وكان له من الولد حسين، وحسن، وأبو أحمد جعفر. فأمّا الحسين بن جوهر، فإنّ العزيز خلع عليه وجعله في مرتبة أبيه، وله ترجمة كبيرة في هذا الكتاب (١).

وأمّا حسن، فإنّه مات بالمغرب وصلّى عليه المعزّ لدين الله في سنة ستّين وثلاثمائة.

وأمّا أبو أحمد جعفر، فبعثه أبوه من القاهرة إلى المغرب بهديّته، وله ترجمة أيضا (٢).

ولمّا مات جوهر لم يبق شاعر بمصر من أهلها، ولا طارئ غريب، إلّا رثاه ووصف ما أثره وما فتحه من البلاد شرقا وغربا.

١١٠٣ - جوهر الطواشي [- ٧٢١] (٣)

[٣٦٧ أ] صفيّ الدين، أحد الخدّام المنصوريّة، قلاوون.


(١) هي الترجمة رقم ١٢٢٨.
(٢) لم نجدها في حرف الجيم، ولعلّ المؤلف خلط بين جعفر بن جوهر، وجعفر بن الحسين بن جوهر.
(٣) السلوك ٢/ ٢٣٤؛ النجوم ٩/ ٢٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>