للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثمّ مال الحرّ إلى الحسين فقاتل معه حتّى قتل.

ففي ذلك يقول الشاعر المتوكّل الليثيّ [الوافر]:

لنعم الحرّ حرّ بني رياح ... وحرّ عند مختلف الرماح

ونعم الحرّ ناداه حسين ... فجاد بنفسه عند الصباح (١)

فلمّا علم الحسين أنّهم قاتلوه قام في أصحابه خطيبا، فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: قد نزل بنا ما ترون من الأمور. وإنّ الدنيا قد تغيّرت وتنكّرت وأدبر معروفها واشمعلّت (٢) حتّى لم يبق منها إلّا صبابة كصبابة الإناء الأخنس (٣)، عيش كالمرعى الوبيل. ألا ترون الحقّ لا يعمل به والباطل لا ينهى عنه؟ ليرغب المؤمن في لقاء الله، وإنّي لا أرى الموت إلّا سعادة، والحياة مع الظالمين إلّا [ذلّا] وندما.

وناهض عمر بن سعد حسينا. وكان أوّل من قاتل مولى لعبيد الله بن زياد يقال له سالم. فصل من الصفّ، فخرج إليه عبد الله بن تميم الكلبي فقتله، والحسين جالس، عليه جبّة خزّ دكناء، قد وقعت النبل عن يمينه وعن شماله، وابن له ابن ثلاث سنين بين يديه، فرماه عقبة بن بشر الأسديّ فقتله.

ورمى عبد الله بن عقبة الغنويّ أبا بكر بن الحسين بن عليّ فقتله. فقال سليمان [بن قتة] فيه [الطويل]:

وعند غنيّ قطرة من دمائنا ... وفي أسد أخرى تعدّ وتذكر (٤)

ولبس حسين لأمته وطاف به أصحابه يقاتلون

دونه حتّى قتلوا جميعا وحمل عليّ بن الحسين الأكبر وهو يقول:

أنا عليّ بن حسين بن عليّ ... نحن وبيت الله أولى بالنبيّ

من شمر وعمر وابن الدعيّ (٥)

وطعنه مرّة بن منقذ بن النعمان بن عبد القيس، فحمل فوضع قريبا من أبيه فقال: قتلوك يا بنيّ! على الدنيا بعدك العفاء.- وضمّه أبوه إليه حتّى مات. فجعل الحسين يقول: اللهمّ، دعو [ن] نا لينصرونا فخذلونا وقتلونا، اللهمّ فاحبس عنهم قطر السماء وامنعهم بركات الأرض! فإن متّعتهم إلى حين ففرّقهم شيعا واجعلهم طرائق قددا، ولا ترض الولاة عنهم أبدا! .

[[قساوة أصحاب ابن زياد]]

وجاء صبيّ من صبيان الحسين يشدّ حتى جلس في حجره. فرماه رجل بسهم فأصاب ثغرة نحره فقتله. فقال الحسين: اللهمّ، إن كنت حبست عنّا النصر، فاجعل ذلك لما هو خير في العاقبة، وانتقم لنا من القوم الظالمين.

وخرج القاسم بن الحسين بن علي وهو غلام، فحمل عليه عمرو بن سعيد [بن نفيل] الأزديّ فضربه فسقط [الغلام لوجهه فقال: يا عمّاه! فشدّ الحسين شدّة ليث غضب فضرب عمرا بالسيف].

وجاءت خيل الكوفيّين [ليستنقذوا عمرا من الحسين]، فحمل عليهم الحسين، فجالوا ووطئوه حتّى مات. ووقف الحسين على القاسم فقال: عزّ على عمّك أن تدعوه فلا يجيبك، أو يجيبك فلا ينفعك يوم كثر واتره وقلّ ناصره، وبعدا لقوم قتلوك! - ثمّ أمر به فحمل ورجلاه تخطّ في الأرض حتّى وضع مع علي بن الحسين.


(١) البيتان غير موجودين في ديوان المتوكّل الليثي تحقيق يحيى الجبوري مكتبة الأندلس بغداد. د. ت.
(٢) اشمعلّت الإبل: تفرّقت.
(٣) الأخنس من الناس: القصير الأنف، ولم نجدها للآتية.
(٤) البيت لسليمان بن قتّة في المقاتل ٦٠ ولابن أبي عقب عند الطبريّ ٦/ ٦٥.
(٥) في مقاتل الطالبيين ٨٠: رجز من سبعة أشطر.

<<  <  ج: ص:  >  >>