للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وما تمسّك بالوعد الذي وعدت ... إلّا كما تمسك الماء الغرابيل (١)

وقال لقاصد السلطان: والله لا جاء منه خير! وأيّ شيء صدق فيه حتى يصدق الآن؟ ولكن نستأهل كلّنا! آه، لو سمعوا منّي! فإنّي عرفت والله أنّه ما يبقي على أحد ممّن أحسن إليه، وقلت لهم، فما سمعوا.

ثمّ أملى على كاتب السرّ جوابا خشنا فتلطّف في الكتابة، حتى [إذا] فرغ أخذه منه، وكتب بخطّه كلاما منكيا، من جملته: أنت لمن صدقت حتى تصدق لي؟ والله، لا جاء منك خير أبدا! .

فاشتدّ حنق السلطان عند قراءته، ولم تمض غير أحد عشر يوما حتى قدم عليه نعيه. فيقال: إنّه مات مسموما. وسرّ السلطان بموته سرورا زائدا، وقال لخاصّته: إنّه دخل في قلبي منه رعب وخوف لا أقدر أصفه، حتى إنّي لا أكاد أصدّق بموته.

وهو أنّي لمّا كنت في الغرابي (٢) وأنا أريد مصر لم أشعر ببهادر هذا إلّا وهو إلى جانبي بفرسه، ثمّ قال لي بصوت مجزع انجزعت له أعضائي: اسمع يا خوند [٢٦٥ أ]! .

قلت: نعم.

فقال: اعرف أيّ شيء عملت معك مماليك أبيك وأبصر في أين كنت وأين أنت الآن! فلا تسمع فيهم كلاما، واحفظهم يحفظوك، وإيّاك وكلام الصبيان، فكلّ مائة صبيّ ما يكونوا بقدر رجل شيخ في رأيه! .

(قال): والله لقد ارتعدت منه مفاصلي.

ثمّ أخذ يسبّه ويلعنه.

وكان كريما صاحب رأي جيّد وحرمة بالغة وكلمة نافذة.

٩٨٣ - بهادر الصقريّ [- ٧٢٥] (٣)

بهادر الصقريّ [بهاء الدين] (٤)، أحد مماليك المؤيّد هزبر الدين داود بن المظفّر شمس الدين يوسف ابن المنصور نور الدين عمر بن عليّ بنرسول التركمانيّ، ملك اليمن (٥).

قدم إلى مصر مع تاجره وعرض على المظفّر بيبرس الكاشنكير فلم يعجبه. وكان قد قدم رسول المؤيّد صاحب اليمن بهديّته وسأل ابتياع مماليك من مصر لتقوى بهم حرمته في بلاده، فأنعم له بذلك. فاشترى رسوله ثمانية مماليك، منهم بهادر هذا، وسافر بهم إلى اليمن. وما زال المؤيّد يبتاع المماليك حتى بلغت عدّتهم عنده إلى خمسين.

فرتّب له منهم أرباب وظائف، ما بين سلاح داريّة وجمداريّة وسقاة، إلى أن مات في سنة إحدى وعشرين وسبعمائة، وملك بعده ابنه الملك المجاهد سيف الإسلام عليّ، وعمره نحو الاثنتي عشرة سنة. وثار عليه غير واحد، وكثر الاختلاف، واشتدّت الحروب في سنة اثنتين وعشرين [وسبعمائة].

فاجتمع المماليك على بهادر هذا وقاموا في خدمته وائتمروا بأمره وكبسوا البلاد وساروا إلى مدينة زبيد ونازلوها، وقد امتنع أهلها. فخدعهم


(١) البيت لابن نباتة المصريّ (ت ٧٦٨)، والصدر في الخزانة ١١/ ٨١٤: لم تمسك الهدب دمعي حين أذكركم ...
(٢) الغرابي: لعلّها جمع غربة.
(٣) الدرر ٢/ ٣٢ (١٣٦٧)؛ السلوك ٢/ ٢٦٥.
(٤) إضافة من السلوك ٢/ ٢٦٧.
(٥) ملك الهزبر داود الرسولي من سنة ٦٩٦ إلى سنة ٧٢١ وخلفه ابنه الملك المجاهد إلى سنة ٧٦٤ (انظر جداول بوزوورث: الدول الإسلامية ٧٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>