عمرو بن سعيد بن العاص وهو عامل له يومئذ على المدينة فكفّنه عمرو ودفن [هـ] بالبقيع عند قبر أمّه فاطمة عليها السلام.
وقيل: بل علّق يزيد الرأس بدمشق ثلاثة أيّام، وأنّه مكث في خزائن السلاح حتى ولي سليمان بن عبد الملك الخلافة، فبعث فجيء به وقد بقي عظما أبيض، فجعله في سفط وطيّبه وكفّنه ودفنه في مقابر المسلمين. فلمّا زالت دولة بني أميّة وقدم بنو العبّاس إلى دمشق، سألوا عن موضع الرأس ونبشوه وأخذوه، والله أعلم ما صنع به.
وقال قوم بأنّ الرأس صار إلى مدينة عسقلان فدفن هناك إلى أن كانت سنة إحدى وتسعين وأربعمائة [ف] خرج الأفضل شاهنشاه ابن أمير الجيوش بدر الجماليّ من القاهرة ودخل عسقلان [٥٠٤ ب] وأخرج الرأس من مكان دارس وعطّره وحمله في سفط إلى دار وعمّر مشهدا، وحمل الرأس على صدره وسعى به ماشيا إلى أن أحلّه في مقرّه. ثمّ نقل الرأس من عسقلان فوصل إلى القاهرة في يوم الأحد ثامن جمادى الآخرة سنة ثمان وأربعين وخمسمائة، أحضر الأمير سيف المملكة تميم والي عسقلان، والقاضي المؤتمن بن مسكين مشارفها، وجعل في القصر يوم الثلاثاء عاشره. وبنى له الموضع المعروف بالمشهد الحسينيّ من القاهرة. ومن الناس من يثبت أنّ هذا هو رأس الحسين، ومنهم من ينفي ذلك.
قال ابن عبد الظاهر: وسمعت من يحكي حكاية يستدلّ بها على بعض شرف هذا الرأس المبارك، وهي أنّ السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيّوب لمّا أخذ أهل القصر وشي له بخادم له قدر في الدولة المصريّة، وكان زمام القصر. وقيل إنّه يعرف الأموال التي بالقصر والدفاتر. فأخذ وسئل فلم يجب بشيء وتجاهل فأمر نوّابه بتعذيبه، فأخذه متولّي العقوبة، وجعل على رأسه خنافس وشدّ عليها- يعني ألبسه طاسة نحاس بعد ما حلق رأسه ووضع عليها الخنافس لتنقب رأسه، وهذا أشدّ العقوبات، والإنسان لا يطيق الصبر عليها ساعة إلّا تنقب دماغه وتقتله.
ففعل ذلك به مرارا وهو لا يتأوّه، وتوجد الخنافس ميتة. فعجب من ذلك وأحضره وقال له: هذا سرّ فيك لا بدّ أن تعرّفني به.
فقال: والله ما سبب هذا إلّا أنّي لمّا وصل رأس الإمام الحسين عليه السلام حملته.
قال: وأيّ سبب أعظم من هذا؟
وراجع في أمره فعفا عنه.
[[إعفاء قبره بكربلاء]]
وأمّا قبر الحسين فإنّ جثّته دفنت بالطفّ، وصار الناس يزورون قبره ويتبرّكون به إلى أن كانت سنة ستّ وثلاثين ومائتين [ف] أمر الخليفة المتوكّل على الله أبو الفضل جعفر ابن المعتصم بالله أبي إسحاق محمد بن هارون الرشيد بهدمه.
فهدم القبر وما حوله من المنازل والدور. وبذر وسقي موضع القبر ومنع الناس من إتيانه، ونودي في الناحية: من وجدناه عند قبره بعد ثالثه بعثنا به إلى المطبق- فهرب الناس منه وامتنعوا من المصير إليه. وحرث الموضع وزرع ما حواليه. فقال عليّ بن محمد بن بسّام [كامل] (١):
[٤٠٦ أ] تالله إن كانت أميّة قد أتت ... قتل ابن بنت نبيّها مظلوما
فلقد أتاه بنو أبيه بمثله ... هذا لعمرك قبره مهدوما
(١) انظر جواد شبّر: أدب الطفّ أو شعراء الحسين ص ٣٢٧ ج ١ نقلا عن أمالي الطوسي ص ٢٠٩.